26وإن كان الإنسان مستتراً قبل الحج في بيته لايعلم من خلقه شيء، فقد برز في الحج إلى الساحة العملية، فلا يمكنه أن يخفي على الناس خليقته، وهو في سبيله إلى الله تعالى، عليه أن يلجأ إلى فعل لا يخترق به قصده الحسن في الله مقصد حجه ومنتهى غايته، إذ السفر ميزان الأخلاق؛ لما يظهر معه من طبائع الأفراد، التي لا يستطيع الإنسان بسهولة تجاوزها؛ لأنها توجه أفعاله بشكل عفوي، ذلك مقابل العمل الخلقي، باعتباره غير اعتيادي؛ لأنه يحتاج إلى علة يستند إليها، فالعمل الاعتيادي تحركه الغريزة، وتحركه الطبيعة، وتحركه العادة، أما العمل الخلقي فتحركه الغاية المستندة إلى الحكمة، والتي بدورها تستند إلى مرتكز عقلي.
البُعد المعنوي للحج عند الإمام الخميني
لقد أكّد الامام الخميني قائد الثورة الإسلامية في إيران مراراً، أنّ سفر الحج هو سفر إلهي، وليس سفراً عادياً مادياً مجرّداً، وأنّ المراتب المعنوية للحج هي رأس مال الحياة الخالدة، وهي التي تقرّب الانسان من أفق التوحيد والتنزيه، وأنّه لن يحصل عليها الحاج ما لم يطبق أحكام وقوانين الحج العبادية بشكل صحيح وحسن، والبُعد المعنوي للحج هو الدافع والوازع للمسلم، حيث يدفعه نحو الأبعاد الأخرى بحيث يراعي فيها الأخلاق والآداب الاجتماعية في علاقاته مع ضيوف الرحمن في موسم الحج، ومع عامة الناس بعد الموسم، و يقول الإمام الخميني في ذلك: «إعلموا جميعاً! أنّ البعد السياسي والاجتماعي للحج لايتحقق إلاّ بعد أن يتحقق البُعد المعنوي» . 1ولهذا نجد الإمام اهتم بهذا الجانب؛ لأنه الوسيلة الناجعة لارتقاء المسلم الأبعاد الأخرى، فقد جاء عنه رضوان الله عليه: «في المواقيت الإلهية والمقامات المقدسة، في جوار بيت اللَّه المليء بالبركات، راعوا آداب الحضور في الساحة المقدسة للعليّ العظيم،