1
كلمة التحرير
ها نحن في عددها الأربعين، وقد عودتنا «مجلة ميقات الحج» طيلة عمرها الممتدّ من 1415ه- حتى يومنا هذا على عطاء نافع ودؤوب، يتلمّسه القارىء الكريم والمتابع النبيل في طيّات مقالات وبحوث وتحقيقات ذات ألوان عديدة، موزّعة على أبواب متفرقة: فقهية وتفسيرية، مفاهيمية وأخلاقية؛ ومنها ما هو تاريخيٌّ وجغرافيٌّ وتراثيٌّ، و. . .
وها هي اليوم تدخل عام العشرين بكلّ ثبات واصرار على مواصلة مسيرتها الواعدة في خدمة هذه الفريضة المباركة موقعاً وتأريخاً وأحكاماً. . غير غافلة عن تقديم شكرها لتلك الجهود التي سدّدتها في تألقها، فقدكانت جهوداً مثمرةً تضمنتها أفهام وقراءات، وبذلتها نفوس طيبة، وصاغتها أقلام أعلام فريدة. . ولولاها لما استطاعت أن تقف على قدميها، داعية لكل هؤلاء الكرام بالسلامة والتوفيق، ولإخوة آخرين تأمل أن يلتحق ولو جزءٌ من أنشطتهم وهي كثيرة ومبدعة بركبها، فيرفدوها بفكرة نافعة ورأي رشيد، عبر قراءات جديدة لكلّ ما يتعلق بهذه الفريضة ومواقعها المتميزة في عالمنا، وبالحرمين الشريفين مكة والمدينة؛ أحداثاً وشخصيات ومواقف خلّدها تأريخنا الحافل بكلّ خير، وكيف لايكونا كذلك، وقد انبثقت منهما أكرم رسالة وأجلُّ شريعة يحملها أفضل إنسان عرفته الدنيا، وأعظم نبيٍّ ورسول جاء رحمةً للعالمين، محمدٍ صلى الله عليه وآله.
ظاهرة التكفير
على ضوء القرآن والسنّة الشريفة
آية الله الشيخ جعفر السبحاني
لاشكّ في أنّ التكفير في هذا العصر وإنْ كان امتداداً للتكفير في العصور السالفة، والّذي تصاعد في القرنين الثالث والرابع الهجريين بفعل المتشدّدين لاسيّما المتشدّدين من أتباع المذهب الحنبليّ، بَيْد أنّه اشتدّ في أوائل هذا القرن، ثم بلغ ذروته في السنوات العشر الأخيرة، حيث أناخ بكلكله على البلاد الإسلاميّة، وتحوّل إلى ظاهرة بارزة اقترنت بمجازر رهيبة، أقدم عليها شباب مهوَّسون، شَحنت بعض المؤسّسات والمدارس الدينية أذهانهم بالأفكار المتشدّدة، ومشاعرهم بالحقد والكراهية لسائر المسلمين لاسيّما أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ثم أطلقت لأيديهم الحرية بممارسة عمليات القتل والذبح والنحر الجماعي للنساء والشيوخ والأطفال في مدن العراق واليمن وباكستان وسوريا وأفغانستان وغيرها، واستباحة الأموال والأعراض، من خلال فتاوى عمياء يصدرها المتعصّبون من أنصاف المتعلّمين الذين عقدوا حلفاً شيطانياً مع محترفي السياسة، فاحتلّوا المواقع العليا في الإفتاء والإرشاد.
وإذا كان التكفير في العصور الماضية يرتبط - في جانب كبير منه - بعوامل داخلية، يشكّل فيها العامل السياسي ركناً من أركانه، فإنّ هذا العامل يشكّل، في الوقت الحاضر، ركناً أساسياً فيه، حيث استغلّت الدوائر الصهيونية العالمية، وأجهزة المخابرات للدول الاستكبارية، ما في تاريخ المسلمين من خصومات وصراعات مذهبية، وما في تراثهم العقديّ من آفات التكفير والتبديع والتضليل، فأخذت تسخّر شتى الأجهزة من أجل نبشها وتضخيمها، وعرضها بأساليب استفزازية على القنوات الفضائية ووسائل الإعلام.
كما أنّها سلكت مختلف السبل الماكرة المحرّضة الّتي تؤدي، في إطار تخطيط شامل، إلى تكريس التفرقة بين المسلمين، وإشعال فتيل النزاع، وتأجيج نار الصراع بينهم، بغية إشغال بعضهم ببعض، وتحويلهم إلى تيارات متناحرة فيما بينها، وصولاً للأهداف المبتغاة، وأهمها:
1. تشويه الصورة الناصعة للإسلام، الذي تعاظمت - في العقود الأخيرة - رغبة المثقّفين الغربيّين في التعرّف على مبادئه وقيمه السامية، والانتماء إليه.