25
ب- البعد الأخلاقي للحج
مناسك الحج ومراسمه ما هي إلاَّ دورة تدريبية تربوية للنفس والروح والبدن على السواء، لصنع الإنسان الحرّ في فكره وإرادته، غيرمنقادٍ لأعداء اللَّه، شياطين الإنس والجنّ كبيرهم وصغيرهم، فالأفعال العبادية والتروك والالتزامات، كلّ هذه التعابير الجسدية والنفسية وسيلة من وسائل انتظام الخُلق وسموه ككيان روحي فكري أخلاقي عبادي متميز.
إنَّ في الحج يتعوَّد المسلم الألفة، والتعارف عن طريق السفر والاختلاط، فتنمو لديه الروح الاجتماعية، وتتهذب ملكاته الأخلاقية، عن طريق هذه الممارسة التربوية، والتفاعل البشري الرائع، الذي يشهده في الحج، بأرقى درجات الالتزام، والاستقامة السلوكية، من خلال المناسك والمراسم الشرعية؛ كثيراً ما يتغير الإنسان إلى الأفضل، فيتعود الحاج على الصبر، واحتمال المشاق والصعاب، إضافة إلى تعوده من خلال المعاشرة على حسن الخلق، والصدق، والحوار مع الحجاج الآخرين، ويتعود اللطف، والتواضع، واللين، وحسن المحادثة، والتعاطف، والكرم، والامتناع عن الكذب، والخصومة، والغيبة، والنميمة، والتكبر، والعظمة، والجدال، وغيرها، حيث قال تعالى: اَلْحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِى الْحَجِّ. . . . 1وهذه النواهي في الحج تساهم في بناء شخصية المسلم، وتعمل على إعادة تنظيمها، وتصحيح مسيرتها في الحياة، وتزرع في النفس مكارم الأخلاق وتقودها إلى استقامة السلوك، وحسن المعاشرة.
ويتطلب الحج من المكلفين به شدّ الرحال، وتغير الحال، وصحبة الرجال، وربما الأهل والعيال، وفي كل ذلك دروس في حسن الأفعال، فأهل الحكمة يقولون: إنّ الأخلاق، هي الحكمة العملية، التي تتجسد بالفعل غير الاعتيادي الذي يصدر من الإنسان بغاية، ومن أجل هدف.