13فإن قلت: إنّ الشكل الهندسي للمسجد الحرام كان دائرياً منذ أن بنيت الكعبة من قبل نبي الله إبراهيم (ع) ، لأنّ الطواف بالبيت العتيق - الّذي نادى به الله عزوجل على لسان إبراهيم الخليل في قوله: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ . 1- يشهد لذلك، أوليس ذلك قرينة على جواز الصلاة بالجماعة استدارة وإن استلزم في بعض الحالات مواجهة المأموم اللإمام؟
قلت: لاشك أنّ المطاف يكون دائرياً وأمّا كون المسجد في عصر النبي إبراهيم (ع) بني على شكل دائرة فلم يدل عليه دليل؛ وعلى فرض كونه كذلك لا يكون دليلاً على جواز الصلاة جماعة بالاستدارة.
إلى هنا تمت دراسة الاشكالين المذكورين في كلام الفقهاء وهناك إشكال ثالث.
الثالث: وجود الحائل بين الإمام والمأموم
من شروط صحة الجماعة أن يكون بين الإمام و المأموم حائل يمنع عن مشاهدته، قال المحقّق: لاتصحّ مع حائل بين الإمام و المأموم يمنع المشاهدة، وقال صاحب الجواهر: الظاهر أنه إجماعي - كما في الذخيرة - بل هو كذلك في صريح الخلاف والمنتهى والمدارك.
ويدل عليه صحيح زرارة عن الباقر (ع) : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الّذي يتقدمهم قدر ما لايتخطى، فليس تلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليست تلك لهم بصلاة، إلاّ من كان من حيال الباب، قال: وقال: هذه المقاصير لم تكن في زمان أحد من الناس وإنّما أحدثها الجبارون، ليست لمن صلّى خلفها مقتدياً بصلاة مَنْ فيها صلاة» . 2ووجه الإشكال: أنّ الكعبة المشرفة تحول بين الإمام وكثير من المأمومين الذين يصلّون في النصف الثاني من الدائرة بحيث إنّهم لايرونه.
ويمكن أن يقال: إنّه لا يشترط مشاهدة جميع المأمومين الإمام، بل يكفي مشاهدة من يشاهده من المأمومين وإن تعددت الوسائط. 3فإذا وقف المأموم في نصف الدائرة الثانية فهو وإن كان لا يشاهد الإمام؛ لأنّ الكعبة تحول بينهما إلاّ أنّه يشاهد الإمام بوسائط ولايقاس المقام بصلاة الإمام بالمقصورة، فإنّ مقصورة المسجد كانت بشكل يحجز عن دخول الغير ولم يكن الإمام مشاهداً مطلقاً و إنّما يطلع المأمومون على أحواله من الركوع والسجود بواسطة تكبير المكبرين.
أضف إلى ذلك انصراف ما دلّ على عدم وجود الحائل عن هذا النوع من الحائل الّذي اقتضته طبيعة صلاة الجماعة في ذلك المكان.