14إلى هنا درسنا الإشكالات الثلاثة في المقام، وقد عرفت أنّ الإشكال الثاني أقوى من الأول و الأخير، فالاقتصار في إقامة الصلاة جماعة على نحو الاستدارة على ما لايوجد فيه أحد الموانع الثلاثة هو الأحوط.
الاستدلال على الصحة بالسيرة
إنّ قسماًمن الفقهاء استدلّوا على الصحة بالسيرة وفي مقدّمتهم الشهيد الأوّل في «الذكرى» حيث قال: ولو استداروا صحّ للإجماع عليه عملاً في كل الأعصار السالفة. 1وقد اُيدت السيرة بأنّ أصحاب النبي (ص) في عام الفتح بلغوا عشرة آلاف أو أكثر، فكيف يمكن لهم الصلاة فيه بنحو الخط المستقيم؟ بل بلغ عدد المرافقين في حجة الوداع إلى مائة ألف.
وهذه السيرة الّتي لم يعترض عليها أئمة الشيعة خير دليل على كونها أمراً مقبولاً عندهم. 2يلاحظ عليه: أنّ كل ما ذكروه حول هذه السيرة نابع عن عدم الوقوف على وقت بدء الصلاة بهذه الكيفية، وقد عرفت أنّ أول من أدار هو خالد بن عبدالله القسري، وأنّ السبب للاستدارة هو ضيق المكان على الناس في صلاة التراويح، ولم يكن هذا الملاك موجوداً في الصلوات اليومية.
وأمّا عدم سعة المسجد الحرام للآلاف المؤلفة فهو أمر صحيح لكنّه ليس دليلاً على إقامة الصلاة في المسجد الحرام، بل ربّما أقامها النبي (ص) خارج المسجد، خصوصاً أنّ النبي (ص) أقام خارج مكة وقد سُئل عن السبب فقال، لم يترك عقيل لنا بيتاً في مكة.
وحقيقة الكلام: أنّ المسجد الحرام لم يكن بهذه السعة ولم يكن أيضاً كافياً حتّى ولو أقاموا الصلاة مع النبي (ص) استدارة، وهذا ابن الجوزي يصف لنا بناء المسجدالحرام ويقول: إنّ المسجد الحرام كان صغيراً ولم يكن عليه جدار، إنّما كانت الدور محدقة به، وبين الدور أبواب يدخل الناس من كل ناحية، فضاق على الناس المسجد، فاشترى عمر بن الخطاب دوراً فهدمها، ثم أحاط عليه جداراً قصيراً، ثم وسع المسجد عثمان بن عفان واشترى من قوم، ثم زاد ابن الزبير في المسجد واشترى دوراً وأدخلها فيه، وأول مَنْ نقل إليه أساطين الرخام وسقفه بالساج المزخرف الوليد بن عبدالملك، ثم زاد المنصور في شقه الشامي ثم زاد المهدي، وكانت الكعبة في جانب فأحب أن تكون وسطاً، فاشترى من الناس الدور ووسطها، ثم توالت الزيادات فيه إلى يومنا هذا. 3* * *