9وقد اتّضح من الرواية المُشار إليها دور الاعتراف بولاية الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، وكذلك إنكارهم، في بناء سلوك الإنسان وحقيقته.
وفي هذا السياق نفسه، يقول سدير الصيرفي: كنتُ مع الصادق7 في عرفات، فرأيت الحجيج وسمعتُ الضجيح، فتوسّمت وقلتُ في نفسي: أترى هؤلاء كلّهم على الضلال؟ فناداني الصادق7 فقال: «تأمّل!» فتأمّلتهم، فإذا هم قردة وخنازير (43) .
وسرّ هذا الأمر هو ما جاء في الحديث عينه، وهو أنّ الذي يتغافل النصّ الصريح للنبيّ الأكرم (ص) فيما يخصّ خلافة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) عامداً عالماً، وينكر ذلك، ولا يعتقد بولايتهم، فإنّ حقيقته ليست إنسانيّة.
ونتيجة الكلام أنّه وإن كان من الممكن أن يكون كلّ الحاضرين في مراسم الحجّ زوّاراً لبيت الله الحرام في إحصاء ظاهريّ، إلاّ أنّ الكثير منهم لا يحسبون إنساناً من حيث الإحصاء الباطني والحقيقي لهم، على مستوى أسرار الحجّ.
إنّ هذا المشهد الذي رأيناه وإن حصل أن وقع في عرفات، إلاّ أنّه يمكن تحقّقه أيضاً في الصفوف الطويلة لصلوات الجماعة التي قد يبلغ العدد فيها أحياناً مبلغاً كبيراً، بحيث لا نجد سوى القليل من المقيمين الحقيقيّين للصلاة.
والجدير ذكره هنا، أنّ هذا البحث وإن ورد في باب الحجّ؛ إلاّ أنّ مرجعه إلى سرّ الولاية، لا سرّ الحجّ، اللّهُمَّ إلاّ إذا قيل: حيث كانت الولاية مُرخيةً بظلالها على جميع الأعمال والعبادات، لذا فإنّ حقيقتها سوف تظهر تحت عنوان سرّ الأعمال والعبادات، فمن لا يقبل بسرّ الولاية فقدْ فَقَدَ إنسانيّته ولو أدّى الصلاة، والصوم، والزكاة، والحجّ، انطلاقاً من فقدان أعماله السرّ والحقيقة؛ لأنّ سرّ العبادة هو ما يبني الإنسان وينشؤه ويربّيه، ومن لم يبلغ هذا السرّ فلن تكون سريرته إنسانيّة.
الإحرام
الحرم هو الأمن الإلهي وهو أرض الحجّ، ميزةٌ لا يشاركه فيها شيء، ليس فقط في موسم الحجّ، وإنّما على امتداد العام، حيث لا يمكن الدخول إليه إلاّ مع الإحرام. كذلك الحال في عدم حقّ غير المسلم في دخول منطقة التوحيد ومهبط الوحي؛ لأنّ إحرامه غير صحيح، ودخول غير المحرم إلى الحرم ممنوع.
وقد حدّدت لكلّ من يريد الدخول إلى الحرم مواقيت للإحرام؛ يقصد بذلك حفظ حرمة الحرم الذي وجد بالمسجد الحرام والكعبة المشرّفة؛ فالإحرام من الميقات للدخول إلى الحرم مثل صلاة تحيّة المسجد التي وضعت لحفظ كرامة المسجد، مع فارق وهو أنّ تحيّة المسجد مستحبّة، فيما الإحرام لدخول الحرم واجب، ويجب على الحاجّ عند الإحرام أن يقصد أن يحرِّم على نفسه ما حرّمه الله عليه (44)
فبعض الاُمور تحرم على الإنسان مؤقّتاً وحال الإحرام فقط. مثل قلع الشعر، والنظر في المرآة، والصيد و. . . لكن بعضها حرام مطلقاً مثل ما ورد في حديث الشبلي من لزوم ترك تمام المعاصي حال الإحرام.
وعليه فالإحرام في الميقات يعني كأنّك تقول لله: «إلهي! إنّني أتعهّد أن اُحرِّم على نفسي تمام المحرّمات، وأن أتركها دائماً وإلى الأبد» .