73«اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول, اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي, وإليك مآبي ولك ربي تراثي. اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر. . . . (10)
عاشراً: وتقتبس فضيلتها من ذلك اليوم العظيم المبارك التاسع من ذي الحجة يوم إكمال الدين و إتمام النعمة ورضا الله تعالى، وقد نزل فيه قوله تعالى:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِيناً (11)
وعن مجمع البيان في تفسير الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قيل فيه أقوال:
أحدها: أن معناه أكملت لكم فرائضي وحدودي وحلالي وحرامي بتنزيلي ما أنزلت وبياني ما بينت لكم، فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم، وكان ذلك يوم عرفة عام حجة الوداع عن ابن عباس والسدي واختاره الجبائي والبلخي قالوا: ولم ينزل بعد هذا على النبي (ص) شيء من الفرائض في تحليل ولا تحريم وأنه مضى بعد ذلك بإحدى وثمانين ليلة، فإن اعترض معترض فقال: أكان دين الله ناقصاً وقتاً من الأوقات حتى أتمَّه في ذلك اليوم؟ فجوابه أن دين الله لم يكن إلا في كمال كاملاً في كل حال ولكن لما كان معرضاً للنسخ والزيادة فيه ونزول الوحي بتحليل شيء أو تحريمه لم يمتنع أن يوصف بالكمال إذا أمن من جميع ذلك فيه كما توصف العشرة بأنها كاملة، ولا يلزم أن توصف بالنقصان لما كانت المائة أكثر منها وأكمل.
وثانيها: أن معناه اليوم أكملت لكم حجكم وأفردتكم بالبلد الحرام تحجّونه دون المشركين ولا يخالطكم مشرك، عن سعيد بن جبير وقتادة. واختاره الطبري قال: لأن الله سبحانه أنزل بعده: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلالَةِ قال الفراء: وهي آخر آية نزلت وهذا الذي ذكره لو صحّ لكان لهذا القول ترجيح لكن فيه خلاف.
وثالثها: أن معناه اليوم كفيتكم الأعداء وأظهرتكم عليهم، كما تقول: الآن كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد بأن كفينا ما كنا نخافه عن الزجاج.
والمروي عن الإمامين أبي جعفر وأبيعبدالله8 أنه إنما أنزل بعد أن نصب النبي9 علياً7 علماً للأنام يوم غدير خم منصرفه عن حجة الوداع قالا: وهو آخر فريضة أنزلها الله تعالى ثم لم ينزل بعدها فريضة.
وأما البخاري فقد روى بسنده: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرءون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً فقال عمر رضي الله عنه: إني لأعلم حيث أنزلت، وأين أنزلت وأين كان رسول الله (ص) حين أنزلت: نزلت يوم عرفة إنا والله بعرفة قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (12)
وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل؛ لأن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها، ولأن الله أعاد الحج على قواعد إبراهيم (ع) ، ونفى الشرك وأهله فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد.
وأما إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة فلا تتم النعمة بدونها، كما قال الله تعالى لنبيه: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ (13) وهي تختم بأول يوم من أيام عيد الأضحى؛
فعن أبي أمامة أن النبي (ص) قال:
«يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» (14)
«فنزول هذه الآية في عرفة التي هي أظهر معالم الحج وفي يوم جمعة الذي هو عيد الأسبوع معلنة بإكمال الدين وإتمام النعمة، واختيار أحسن الأديان جدير بأن يكون من أعظم الأعياد فلله مزيد الحمد ووافر الشكر» . (15)