49عن أنّ روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) لا تحتاج إلى سند، ونصوصهم لا تحتاج إلى بيان الوسائط; وذلك لأنّها مضمون الكتاب الواصل إليهم عن جدّهم رسول الله (ص) ألا وهو كتاب عليّ (ع) الذي تواترت روايات أهل البيت (عليهم السلام) في شأنه وأنّه كتابٌ أملاهُ رسول الله (ص) من فلق فيه على عليّ أمير المؤمنين فكتبها بخطّه (ع) ، ومثل هذا الكتاب قطعيّ لهم لا يحتاج إلى ذكر السند.
ألا ترى أنّ المسلمين لا يحتاجون في إسناد كتاب البخاري ومسلم وكتاب الكافي والتهذيب إلى مصنّفها وعزو نسخها إلى أصحابها إلى سند ووسائط، ولو ذكرت هناك الوسائط كان مجرّد تشريف، فيا تُرى أنّ أحداً يشكّ في أنّ القانون والشفا لابن سينا حتّى يحتاج إلى ذكر سند معنعن أو طريق متّصل؟ !
بل هل ترى أحداً يشكّ في كتب وصلتنا من أفلاطون وغيره من السابقين على الإسلام أنّها لهم وهم ألّفوها؟
وإن شئت قلت: إنّ نسبة مثل هذه الكتب إلى أصحابها قطعيّة وصدورها من مؤلّفيها بتيّة لتواترها عنهم أو لغير ذلك.
ومع هذا كلّه، فليفرض حاجة نسبة كتاب عليّ (ع) إليه إلى سند بين الأئمّة من أهل بيت نبيّه (عليهم السلام) الذين هم رواة كتابه ونَقَلَة آثاره.
فلم يبق إلاّ قضيّة وثاقة الأئمّة أنفسهم أو الرواة عنهم; أمّا وثاقة الأئمّة فالأمر فيه أوضح من أن يسطر وأظهر من أن يحتاج إلى إثبات، وقد تسالم المسلمون ممّن عرفوهم على ذلك ولا يرتاب فيه مَن له أدنى إنصاف، ولا يشكّ فيه إلاّ أهل الاعتساف.
ولو أردت أن أتعرّض لما ذكره أرباب السِّير في شأنهم (عليهم السلام) لطال بنا الكلام واحتاج إلى مجلّدات، ولو أردت أن أجمع ما أثنى به أصحاب المعاجم والتراجم على أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) لكانت مجموعة ضخمة.
وحيث إنّ كثيراً من روايات أهل البيت هي من الإمامين محمّد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمّد الصادق (عليهم السلام) فإنّي أذكر يسيراً من ترجمتهما واُشير إلى نزر من فضلهما بما يكفي العاقل ويطمئن به ذوو الألباب، ثمّ اُحيل القارئ في سائر فضلهما وفضل سائر الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) إلى المراجعة إلى المصادر والوقوف على المراجع.
وأقول على الإجمال: إنّ الأئمّة من آل محمّد (ص) كلّهم نورٌ واحد وهم شركاء في الجلالة والفضل والسيادة والعظمة، وقد شهد لهم أعداؤهم بالفضل والسؤدد، وأقرَّ لهم مخالفوهم بالعظمة والجلال، وقديماً قالوا: الفضل ما شهدت به الأعداء.
وإنّني أقتصر هنا على مصادر غير الشيعة، حتّى لا يحتمل كون الحامل لهم على الإطراء والمدح الاعتقاد بإمامتهم في المذهب، فإنّ الشيعة يعتقدون فيهم العصمة كما يرونها للأنبياء.
وقبل التعرّض لشأنهما أقول: قد توسّط بينهما وبين رسول الله (ص) في أحاديثهما عليّ بن الحسين زين العابدين وسيّد الساجدين، ثمّ الواسطة بينه وبين النبيّ (ص) أبوه وعمّه الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة وريحانتا رسول الله (ص) وسبطاه، ثمّ الواسطة بين الحسنين وبين رسول الله (ص) حيث لم يرويا مباشرةً عنه (ص) هو أبوهما أخو رسول الله وابن عمّه وزوج ابنته عليّ بن أبي طالب (ع) وهو من إن كان الحديث عن صحبة النبيّ (ص) فلا تجد مَن هو أسبق صحبةً منه فإنّه أوّل المسلمين وأوّل مَنْ صلّى وعبد ولم يُشرك بالله طرفة عين، وما ورد في فضله من القرآن والحديث لا تجد في كتاب أو دفتر ولا يحصر في العدد فإنّه نفس النبيّ9 بنصّ الكتاب وأخوه بنصّ الرسول، وزوج ابنته وأبو ذرّيته بلا ريب، ووصيّه ووارث علمه وكاتب وحيه، وإجمال القول: إنّه ما من فضيلة إلاّ وهو حائزها، ولا من مكرمة إلاّ وهو صاحبها، وهو خليفة رسول الله والإمام الذي نصَّ النبيّ (ص) على أنّه مع الحقّ والحقّ معه، يدور معه حيثما دار.