48الآراء يكنّون لأهل البيت من الاحترام ويضمرون لهم من المرتبة، بل ويتظاهرون لهم من التجليل والحرمة ويتصادقون لهم على الفقاهة والعلم، إضافة إلى الوثاقة والضبط، بل وكانوا يعترفون لشيعتهم والرواة عنهم بالفضل والفقه والوثاقة والعدالة مع اختلافهم معهم في المذهب والعقيدة، فلا يمنعهم ذلك من تصديقهم وقبول أقوالهم، والشواهد على ذلك كثيرة، وأنا أكتفي في المقام بذكر رواية واحدة تصدّق ما أقول وتشهد بما ذكرت.
فقد روى الكليني بإسناده عن السيّاري قال: روي عن ابن أبي ليلى أنّه قدم إليه رجل، فقال: إنّ هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعراً وزعمت أنّه لم يكن لها قطّ، قال: فقال له ابن أبي ليلى: إنّ الناس يحتالون لهذا بالحيل حتّى يذهبوا به فما الذي كرهت؟ قال: أيُّها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به، قال: إصبر، حتّى أخرج إليك فإنّي أجد أذىً في بطني، ثمّ دخل وخرج من باب آخر، فأتى محمّد بن مسلم الثقفي فقال له: أيّ شيء تروون عن أبي جعفر (ع) في المرأة لا يكون على ركبها شعر، أيكون ذلك عيباً؟ فقال محمّد بن مسلم: أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه، ولكن حدّثني أبو جعفر (ع) عن أبيه عن آبائه عن النبيّ (ص) أنّه قال: «كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب» ، فقال له ابن أبي ليلى: حسبك، ثمّ رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب (20) .
وأنا أقترح على الاُمّة الإسلاميّة من أيّ مذهب كانوا وعلى أيّ أصل عوّلوا في عقائدهم واُصول دينهم ومذهبهم أن ينظروا فيما أقول ويتأمّلوا في كلامي هذا فإنّي لا أظنّ منافاته لمذهب من المذاهب، ولا أنّه مخالف للدِّين على شتّى المسالك.
بل اُصول المسلمين قاضية بلزوم الأخذ بما أقول وعقيدتهم حاكمة بتعيّن العمل بما أذكر ألا وهو اعتبار روايات أهل بيت النبيّ (ص) وحجّيّة نصوصهم، بل وتقدّمها على آراء سائر المسلمين حيث إنّ نصوصهم هي متون أقوال النبيّ (ص) ، ورواياتهم هي اُصول كلمات رسول الله (ص) ولم يزيدوا فيها من أنفسهم شيئاً ولم ينقصوا ولم يحرّفوا ولا أنّهم بدّلوا تبديلاً.
وإن شئت مزيد توضيح لهذا الكلام، أقول متوكّلاً على الله:
إنّ أسباب الانصراف عن أحاديث أهل بيت النبيّ (ص) بعد اتّفاق المسلمين على حجّية أخبار الثقات واعتبار أقوالهم لا تخلو من أحد مناشئ:
الأوّل: التشكيك في وثاقة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنفسهم.
الثاني: التشكيك في وثاقة الرواة عن الأئمّة من شيعتهم ومحبّيهم.
الثالث: إرسال روايات أئمّة أهل البيت لعدم إدراكهم للنبيّ (ص) في حياته.
الرابع: التشكيك في كون أحاديثهم رواية واحتمال كونها اجتهادات وفتاوى منهم (عليهم السلام) .
وإذا بطلت هذه الاحتمالات فثبت وثاقة الأئمّة أنفسهم والرواة عنهم، وتحقّق كون أقوالهم روايات لا فتاوى وأنّ رواياتهم متّصلة الإسناد إلى رسول الله (ص) لا إرسال فيها ولا انقطاع.
لم يبق هناك مناص من اعتبار تلك الروايات، ولا مجال في الترديد في حجّية تلك النصوص. وسوف أتعرّض بما يناسب المقام من التفصيل لكلّ من هذه الاُمور الأربعة إن شاء الله تعالى.
أمّا ما ورد عن الأئمّة (عليهم السلام) من النصوص، فهي روايات لا اجتهادات، فقد أسمعناك ما صرّحوا به أنفسهم من أنّ حديثهم هو حديث النبيّ (ص) ورواياتهم هي أقوال رسول الله (ص) .
وأمّا قضيّة إرسال أحاديثهم، فقد سمعت أنّ رواياتهم هي بواسطة آبائهم حتّى تنتهي إلى أمير المؤمنين عليّ (ع) وهو قد أدرك النبيّ (ص) منذ بدء الرسالة وصاحبه طيلة حياته ولم يفارقه حتّى وفاته (ص) ، وهو أوّل مَنْ أسلم وكان ملازماً له (ص) ، ناهيك