47فقد روي عن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وغيرهما قالوا: سمعنا أبا عبدالله (ع) يقول: «حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدّي وحديث جدّي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (ع) وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (ص) وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ» (11) .
والعارف باللغة لا يخفى عليه أنّ قوله (ع) : حديثي حيث أضاف الحديث إلى نفسه يفيد العموم وليس معناه حديث واحد، بل مفهومه أنّ كلّ ما يعدّ حديثه فهو مرويّ بهذا الإسناد ومحكيّ بهذا الاستناد; ولاحظ أيضاً ما يأتي.
وقد روي في الصحيح عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: قلت لأبي جعفر (ع) : إذا حدّثتني بحديث فاسنده لي، فقال: «حدّثني أبي عن جدّي عن رسول الله (ص) عن جبرئيل عن الله تبارك وتعالى وكلّ ما أُحدّثك بهذا الإسناد» (12) .
وروي عن ابن سنان عن أبي عبدالله (ع) قال: سمعته يقول: «ليس عليكم فيما سمعتم منّي أن ترووه عن أبي، وليس عليكم جُناح فيما سمعتم من أبي أن ترووه عنّي ليس عليكم في هذا جناح» (13) .
وفي رواية عن حفص بن البختري، قال: قلت لأبي عبدالله (ع) : نسمع الحديث منك فلا أدري منك سماعه أو من أبيك؟ فقال: «ما سمعته منّي فاروه عن أبي وما سمعته منّي فاروه عن رسول الله (ص)» (14) .
وفي رواية عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله (ع) : الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه من أبيك أرويه عنك؟ قال: «سواء، إلاّ أنّك ترويه عن أبي أحبُّ إليَّ» . وقال أبو عبدالله (ع) لجميل: «ما سمعته منّي فاروه عن أبي» (15) .
هذا كلّه بالغضّ عمّا ورد في وفور علم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وأنّهم ورثة علوم الأنبياء وخاتمهم محمّد (ص) ، فهم يعلمون علوم رسول الله (ص) بتعليمه أمير المؤمنين (ع) ، ثمّ إنّ أوصيائه (عليهم السلام) تناقلوها من بعده وتوارثوها، وأنّ محمّداً (ص) ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين (16) ، وأنّ رسول الله صيّر ما صار إليه من علم النبيّين بأسره وكلّه عند أمير المؤمنين (ع) ، وأنّ العلم يتوارث فلا يموت عالم إلاّ وترك من يعلم مثل علمه (17) .
وأنّ رسول الله (ص) لمّا قبض ورث عليّ (ع) علمه وسلاحه، ثمّ صار إلى الحسن، ثمّ صار إلى الحسين، ثمّ بعد ذلك عليّ بن الحسين، ثمّ إلى محمّد بن عليّ، ثمّ إلى جعفر بن محمّد (عليهم السلام) ، وإنّه لا يموت منهم عالم إلاّ وترك من يعلم مثل علمه، وما تواتر من كتب الفريقين أنّ رسول الله (ص) علّم عليّاً (ع) ألف باب يُفتح من كلّ باب ألف باب (18) .
وما ورد من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) يعلمون كلّ ما أظهر الله عليه ملائكته وأنبيائه ورسله (19) .
فهذا الذي ذكرناه يعيّن على فقهاء المسلمين أن لا يتغاضوا حيث يريدون الإفتاء عمّا يفتي به أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ; حيث إنّ فتاويهم هي مضمون رواياتهم عن النبيّ (ص) وأقوالهم هي ما تضمّنته أحاديث رسولالله (ص) ممّا نقل إليهم في كتاب الجامعة المدوّنة في حياة رسول الله (ص) .
وأنت تعلم أنّه لا يجوز الإفتاء في مسألة إلاّ بعد الفحص عن النصوص، ولا يجوز إبداء الرأي إلاّ بعد الاستقصاء وبذل الطاقة في مجال الأحاديث، ولا ينبغي القول في حكم إلاّ بعد اليأس عن وجود دليل بخلافه من مخصّص أو مقيّد أو حجّة على خلاف الظهور.
فإذا كان المسلمون يعترفون لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بالصدق والأمانة كما ينبغي الاعتراف لهم بالضبط والاتقان بعد تدوينهم النصوص عن صاحب الشريعة مباشرةً، فلا ينبغي بعد هذا وذاك الوقوف تجاه رواياتهم (عليهم السلام) بالحياد فضلاً عن الانحراف عنها والإعراض عن العمل بها وترجيح آراء غيرهم عليها، بعد كون تلك الآراء مبنيّة على الاجتهاد والحدس في كثير من مواردها، وعلى الغفلة - إن لم يكن التغافل - عن روايات أئمّة أهل البيت في جملة وفيرة منها، مع ما كان أصحاب تلك