46وفي معتبرة أبي بشير المرويّة في الكافي عن أبي عبدالله (ع) في حديث قال: «علّم رسول الله (ص) عليّاً ألف باب يفتح كلّ باب منها ألف باب» إلى أن قال: «فإنّ عندنا الجامعة صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (ص) وإملائه من فلق فيه وخطّ عليّ (ع) بيمينه فيها كلّ حلال وحرام وكلّ شيء يحتاج إليه الناس حتّى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليَّ فقال لي: «تأذن لي يا أبا محمّد؟» قال: قلت: جعلت فداك إنّما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمز لي بيده، ثمّ قال: «حتّى أرش هذا» كأنّه مغضب» (7) .
وفي معتبرة أبان عن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: «ضلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة إملاء رسول الله (ص) وخطّ عليّ بيده; إنّ الجامعه لا تدع لأحد كلاماً، فيها الحلال والحرام» (8) .
نعم إنّ الجامعة لا تدع لأحد كلاماً سواء ابن شبرمة أم غيره، وذلك لأنّ حكم الناس عادةً يكون عن خرص وتخمين أو قياس واستحسان وما شاكل ذلك، ولئن قُدّر لمثل ذلك الاعتبار فإنّما هو حيث فقد النصّ ولم توجد رواية ولا كان نقل ثقة لحديث وخبر عن صادق، وهذا بإجماع الاُمّة لا يختلف فيه إثنان، وحيث إنّ الجامعة كتاب عليّ وإملاء رسول الله (ص) متضمّن لحكم كلّ قضيّة وحاو لما يحتاج إليه الناس في وظيفتهم فلا يبقى موضوع للعمل بالقياس ولا هناك مورد للاكتفاء بالظنون الارتجاليّة ولا محلّ للتعويل على الحدس والتخمين.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في حديث: «إنّ الحسين (ع) دفع إلى ابنته فاطمة كتاباً ثمّ دفعته إلى عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، قال: ثمّ صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد. قال: قلت: فما في ذلك الكتاب؟ قال: فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدُّنيا، والله إنّ فيه الحدود حتّى أنّ فيه أرش الخدشة» (9) .
وفي معتبرة أبي عبيدة عن أبي عبدالله (ع) في حديث: إنّه سُئِلَ عن الجامعة، فقال: «تلك صحيفةٌ طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج، فيما ما يحتاج إليه الناس وليس من قضيّة إلاّ وهي فيها حتّى أرش الخدش» (10) .
إلى غير ذلك من النصوص التي فاقت حدّ التواتر وجازت حدّ اليقين، وقد أوردنا شطراً منها في كتاب المبسوط عند التعرّض للمباحث التمهيديّة في مجال استنباط الأحكام الفقهيّة للمسائل المعاصرة، كما أورد شطراً كبيراً منها الشيخ الحرّ العاملي في كتاب الوسائل وفي كتاب الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة.
فراجع صحاح وروايات الصيرفي، وسليمان بن خالد، وأبي بصير، ومحمد بن سليم، وعبدالله بن سنان، وابن فضّال، وسليم بن قيس، ومحمّد بن حكيم، وغيرها من النصوص المرويّة فيما أزمعنا إليه وفي غيره من الكتب.
ولا تستغرب اشتمال كتاب أو صحيفة طولها سبعون ذراعاً على عامّة أحكام الفقه، فإنّ كتب الحديث إنّما طالت لاشتمال كلّ رواية منها على سند غير ما للآخر، ولو حذفت أسانيدها حيث كان لها سند واحد لتقلّصت إلى حدٍّ كبير، كما أنّ تلك الكتب تشتمل على تكرار وتأكيد وتطويلات لا ضرورة فيها، ولو حذفت لاختلف مقدار الكتاب وطوله جدّاً، ولو نظرت إلى متون الفقه في كتب الفريقين شيعةً وسنّة لصدّقت ما أقول ووافقتني فيما ذكرت، مع اشتمال المتون على عامّة أحكام الفقه، فكيف إذا كان الماتن رسولالله (ص) والكاتب أمير المؤمنين والراوي عنهما أولادهما وأهل بيتهما من فقهاء المسلمين وعظمائهم، دع عنك استحقاقهم لمنصب الخلافة والإمامة وكونهم أولى بالناس من أنفسهم بعد رسول الله (ص) .
وقد ورد التصريح بسند أهل بيت رسول الله (ص) في روايتهم عن جدّهم بما لا يبقي ريباً لمرتاب ولا يَدَع شكّاً لأحد إلاّ لمن كان في قلبه زيغ أو كان في فهمه رين.