45فقد روى ابن الأثير عن الترمذي وأبي داود رواية المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله (ص) : «ألا هل من رجل يبلغه الحديث عنّي هو متّكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرّمناه وإنّما حرّم رسول الله (ص) كما حرّم الله» .
وفي رواية أبي داود، قال: قال رسولالله (ص) : «ألا إنّي اُوتيت هذا الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجلٌ شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه، ألا لا يحلّ لكم الحمار الأهلي ولا كلّ ذي ناب من السباع. . .» .
وروى عن أبي داود والترمذي من أبي رافع: أنّ رسول الله (ص) قال: «لا أعرفنّ الرجل منكم يأتيه الأمر من أمري إمّا أمرت به أو نهيت عنه وهو متّكئ على أريكته فيقول: ما ندري ما هذا، عندنا كتاب الله وليس هذا فيه، وما لرسول الله أن يقول ما يخالف القرآن; وبالقرآن هداه الله» (4) .
وفي لفظ أخصر: إنّ رسول الله (ص) قال: «لا ألفينّ أحدكم متّكئاً على أريكته يأتيه أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه» (5) .
وأيّاً كان السبب لمنع تدوين الحديث فقد أوجب ذلك ضياع أحاديث النبيّ (ص) عن الناس إلاّ ما بقي على الخواطر وما لعبت بضبطه أيدي النسيان والاضطراب فانتهى إلى الناس من الحديث ما حوى الاختلاف وبقي لهم ما تضمّن الاضطراب واشتمل على السهو، هذا كلّه بالغضّ عمّا وضعته بعض الأيادي وقالته بعض الكَذَبَة على النبيّ (ص) عمداً ودسّه بعض المفترين ضمن الكثير من النصوص قصداً، وناهيك في إثبات ذلك مؤلّفات الفريقين في فرز الأحاديث الموضوعة وتشخيص النصوص المعمولة.
وقد قيّض الله لحفظ الشريعة منذ حياة رسول الله (ص) أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فعملوا في مجال حفظ الحديث وصيانته ونشره، ولم تتمكّن السلطات الحاكمة من حجمهم عن ذاك ولا منعهم عن نشاطهم في هذا المجال، فليس في المسلمين كتاب في الحديث أقدم من كتابهم في مجال الفقه والأحكام ولا موجود عند الناس مضمار محفوظ أسبق من مضاميرهم (عليهم السلام) ، فقد صرّحت النصوص المتواترة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بأنّ أمير المؤمنين عليّاً كتب بيده عن إملاء رسول الله (ص) ما يكفي الناس في مجال الأحكام وسدّ حاجتهم إلى يوم القيامة، فلم يبق عند المسلم في الانحراف عن فقه أهل البيت لو كان معذوراً عن التسليم لخلافتهم وإمامتهم في مجال تولّي الحكم وإدارة شؤون الناس; فإنّ أئمّة أهل البيت ثقات باعتراف الاُمّة قاطبةً، فلا مجال للنكول عن التسليم لرواياتهم بعد كونها مرويّة عن النبيّ (ص) بسند متّصل ولا حجّة لأحد في الغضّ عن أقوالهم (عليهم السلام) بعد تصريحهم بأنّها أقوال النبيّ (ص) انتهت إليهم عبر الوسائط الثقات ممّن تعتبر الاُمة بأسرها بعدلهم وورعهم وصدقهم ووثاقتهم.
ولو أردت أن أستقصي ما روي في مجال روايات أهل البيت وسابقتها لطال بي الكلام ولو رمتُ أن أجمع ما يتعلّق بشأن حديث أئمّة أهل البيت ووصفهم لضاق بي المقال، إلاّ أني أُشير إلى بعض ما ورد في ذلك وأحكي نزراً ممّا روي في هذا المجال، وما ذاك إلاّ كقبة العجلان لضيق المجال وقصور الوقت عن الإحاطة، ولكن الميسور لا يترك بالمعسور فإنّ ما لا يُدرك كلّه لا ينبغي أن يُترك كلّه.
ففي معتبرة سماعة بن مهران عن أبي الحسن موسى (ع) في حديث قال: قلت: أصلحك الله أتى رسول الله (ص) الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال: «نعم ما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة» قلت: فضاع من ذلك شيء؟ قال: «لا هو عند أهله» (6) .
فأهل رسول الله (ص) حفظوا تراثه من الضياع وصانوا حديثه من الاندراس ومنعوا رواياته (ص) من النسيان.