41فإذا صحَّ هذا وذاك في العمل، يبقى العمل ويخلد مع صاحبه عند الله، ويُكسِب صاحبه نوراً يوم القيامة يسعى بين يديه، وإذا سألهم المنافقون يومئذ أن يسمحوا لهم أن يقتبسوا من نورهم ليخرجوا به من الظلمات إلى النور، قالوا لهم: إرجعوا وراءكم إلى الدُّنيا فالتمسوا نوراً، فإنّ هذا النور هو النور الذي اقتبسوه من الإيمان والعمل الصالح في الدُّنيا.
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُم الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً (80) .
إنّ هذا الجواب الذي يقابلون به المنافقين، وإن كان على نحو السخرية، إلاّ أنّه يحمل الحقيقة كلّها، فإنّ المنافقين خسروا هذا النور في الدنيا يوم خسروا الإيمان والعمل الصالح فيها.
وهذا هو السعي الذي يبقى للإنسان، وينفعه ويستنير به يوم القيامة، وقد يكون هذا السعي عملاً صغيراً لا قيمة له في حساب الآدميّين في الدُّنيا، إلاّ أنّه ينقلب يوم القيامة إلى نور ونعيم ورضوان، يستنير به صاحبه وينعُم به يوم القيامة، ويكسب به رضوان الله؛ وذلك إذا أخلص فيه لله والتزم بحدوده في الحلال والحرام.
وهذا هو السعي المذكور الذي يشكره الله تعالى لعباده ويحفظه لهم وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (81) .
هذا هو السعي الباقي النافع المشكور.
ومن السعي السعي الباطل الزائل الضائع يوم القيامة، يأمل فيه صاحبه في يوم فقره وفاقته يومئذ أن ينفعه، فيضلّ عنه ويضيع ولا ينتفع به قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (82) .
وهذا هو السعي الذي لم يرد به صاحبه وجه الله، ولم يلتزم فيه بتقوى الله، فلا ينتفع منه صاحبه، ويضلّ عنه، أي يبطل، ويفقد قيمته.
إنّ أعمال الإنسان لا تفنى، وهذه واحدة من مسلّمات القرآن، ولكن الإنسان قد يضع ثقته يوم القيامة في عمل، لم يقصد به وجه الله، ولم يلتزم فيه بتقوى الله في الدنيا، فيتصوّر يومئذ أنّه ينفعه، فيضلّ عنه ويضيع ويبطل، فلا تبقى له قيمة، ويكون مثله مثل السراب يحسبه الظمآن ماءً فإذا بلغه لم يجده شيئاً وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَاب بِقِيعَة يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (83) .
إنّها صورة مُخيفة مُرعبة ليوم القيامة، حيث يقبِل الإنسان على أعماله التي كان يتصوّر أنّها تنفعه، فإذا هي كالسراب الذي ينقشع قد كان مرصوداً مُراقَباً من قِبل الله، وأنّ الله تعالى كان مطّلعاً على سرّه وأعماله في الدُّنيا، فيلغيها يومئذ ويُبطلها، ويحاسبه على نيّته وعمله.
وهذا هو السعي الضائع في حياة الإنسان.
1) البقرة: 158.
2) الإسراء: 19.
3) الليل: 4.
4) الصافّات: 102 - 105.
5) تفسير علىّ بن إبراهيم القمّى 60: 1 - 61 تحقيق السيّد طيب الموسوى الجزائرى، والآية الكريمة من سورة إبراهيم، الآية 37.