3
كشف سبيل سرّ العبادة
إنّ ما يقع داخل إطار عمل الجوارح أو على مستوى خواطر الجوانح، يكون من أحكام العبادات أو من آدابها، وليس أيّ منهما سرّاً للعبادة، فقط ما يقع في مدار شهود العقل النظري وانبعاث العقل العملي. . هو ما يمكن عدّه سرّاً للعبادة.
وكما تجب مراعاة قوانين الفقه الأصغر، دون أن تكفي في نيل أسرار العبادات، فإنّ مراعاة الفقه الأوسط، أي فنّ الأخلاق الشريف، يظلّ لازماً أيضاً، لكنّه أيضاً لا يكفي، بل المطلوب احترام إرشادات الفقه الأكبر، عنيت العرفان النظري والعملي، حيث يُتمكّن من العثور على السبيل لمصدر نزول العبادة عبر الضمير الشاهد والسرّ الطاهر، ليتمّ عبر ذلك إنجاز الأمر من خلال السُبل الإدراكيّة والتحريكيّة للمعبود، كما يشير إلى زاوية من ذلك حديثُ قرب النوافل (10) . وهناك لا يكتفي السالك الواصل ببلوغ سرّ العبادة، بل يصبح بنفسه في موقع سرّ المعبود، ومخزن علمه: «هم موضع سرّه، ولجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حُكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه» (11) .
حقيقة الإنسان الكامل سرّ العبادات كافّة
ثمَّة علامات لبلوغ سرّ العبادات، وتوضيح ذلك أنّ ما هو شروط الصحّة والقبول الطولي للعبادات - لا الشرط العرضي - يحسب من أسرارها، فمثلاً الطهارة شرط صحّة الصلاة، إلاّ أنّ هذا النوع من الاشتراط وإن اشتمل تقدّماً رتبيّاً، إلاّ أنّه على مستوى معرفة السرّ يقع في عَرْض العبادات المشروطة والموقوفة، لا في طولها؛ لأنّ الشرط الطولي لقبول الطهارة والصلاة هو الورع والتقوى، قال تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (12) .
إنّ قبول التقوى رهن بولاية الإنسان الكامل؛ لأنّ أيّ عبادة - بل تقوى - ليست مقبولةً دون تولّي المعصومين: ، حتّى أنّ القبول بولايتهم دون الاعتقاد بولايتهم التكوينيّة التي هي سرّ كونهم ولاةً، هو الآخر غير مقبول (13) ؛ لأنّ القبول بولايتهم وإدارتهم - كالصلاة والصوم والزكاة والحجّ و. . . - من فروع الدِّين (14) ، ولكلّ فرع أصل، يعدّ سرّاً لهذا الفرع، من هنا يُعلم أنّ حقيقة الإنسان الكامل هي سرّ العبادة، وكلّ سالك ينال سرّ العبادة بمقدار بلوغه من الكمال الإنساني، وأكمل البشر هم المعصومون (عليهم السلام) الواصلون للسرّ النهائي للعبادة؛ لهذا كانوا الصراط المستقيم (15) ، وميزان الأعمال (16) .
وبغية الوصول إلى هذا الهدف السامي، لا مجال سوى بإعمال العقل واليقظة والوعي في مراقبة حرم القلب الآمن؛ فالحكمة لا تحصل دون تدبّر وتعمّق، وصيرورة الإنسان أهل رأي ونظر لا تحصل دون حمل السرّ وطهارة الضمير وصيانة الذات: «الظفر بالحزم، والحزم بإجالة الرأي، والرأي بتحصين الأسرار» (17) .
سرّ الحجّ وثمراته
الصورة الباطنيّة للحجّ
لكلّ عبادة بطنٌ وسرّ، وذلك:
أوّلاً: إنّ العبادات اُمور تحدّث عنها الله سبحانه في كتابه.