16من هذا كلّه، وضع الله سبحانه مكاناً مقدّساً بظروف مناطقيّة غير ملائمة ليجعله مركزاً للاختبار في سياق إيجاد التناغم بين التكوين والتشريع، حتّى يتمكّن الخلق من التخلّص من الملوّثات والتعلّقات والأقذار والتطهّر من الخبائث والنجاسات في رياضاتهم الممدوحة التي تتمّ من خلال محرّمات الإحرام، وكذلك عبر مناسك الحجّ والعمرة (75) .
وكأنموذج على الاختبار المذكور، جرى تحريم الاستفادة من العطور والروائح الجميلة حال الإحرام من جهة، كما منع - من جهة اُخرى - من إغلاق الأنف ووضع اليد عليه عندما يحتكّ الإنسان حال أداء مناسك الحجّ والعمرة أو يجالس أشخاصاً تفوح منهم الرائحة الكريهة، وكذلك عند العبور من مكان ذبح الأضاحي. . . إنّ مثل هذه الاُمور تكسر أنانيّة الإنسان وعنجهيّته وكبرياءه وتفاخره، بحيث تحوّله بعد إنجاز أعمال الحجّ والعمرة إلى عبد حرّ مُنعتق لله.
هذه الدورة البانية للإنسان، تؤثّر تأثيراً كبيراً في المجتمع، فاُولئك الذين لم يكونوا ليتورّعوا عن أكل العظاية في عصر الجاهليّة الوحشي، وكانوا يتسابقون في اصطياد هذا الحيوان، أصبحوا الآن يترفّعون عن ظبي الصحراء، حتّى تمكّنوا في عصر التمدّن الإسلامي من الانتصار على كلّ الميول والرغبات الذاتيّة بتأثير من الأوامر الإلهيّة.
لدورة الإحرام الغنيّة بالمُعطيات تأثيرٌ كبير على بناء الشخصيّة الإنسانيّة، تشاهد نتائجها العمليّة الرائعة في المجتمع المعتقد والملتزم بمحتوى الحجّ والزيارة.
الهوامش
1) المؤمنون: 115.
2) الذاريات: 56.
3) إبراهيم: 8.
4) آل عمران: 97.
5) الطلاق: 12.
6) التكاثر: 5 - 7.
7) الحجر: 99.
8) اُنظر وسائل الشيعة 8: 17 - 19.
9) الطلاق: 12.
10) بحار الأنوار 67: 22: «ما تحبّب إلىَّ عبدى بشىء أحبّ إلىَّ ممّا افترضته عليه، وإنّه ليتحبّب إلىَّ بالنافلة حتّي أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يُبصر به، ولسانه الذى ينطق به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، إذا دعانى أجبته وإذا سألنى أعطيته. . .» .
11) نهج البلاغة، الخطبة: 2، الفقرة: 10 - 11.
12) المائدة: 27.
13) اُنظر: وسائل الشيعة 1: 90 - 96.
14) اُنظر: المصدر نفسه: 7 - 19.
15) راجع: الكافى 1: 416.
16) انظر: المصدر نفسه: 419، 433.
17) نهج البلاغة، الحكمة: 48.
18) بحار الأنوار 89: 90.
19) الحجر: 21.
20) بحار الأنوار6:234.
21) آل عمران: 97.
22) بحار الأنوار 96: 124 - 125.