158إذن الفرق واضح بين الفهمين: ( الابتداء والإتمام) وهذان الفهمان لمراد الآية نقف عند أقوال أصحابهما والأدلة التي ساقها كل منهما على ما ذهب إليه:
فبعد أن بين أن المراد بالحج والعمرة معناهما الشرعي المتعارف عند الفقهاء ولهما أفعال مخصوصة معلومة من كتب الفروع قال: وأتموهما: يعني ائتوا بهما تامين مستجمعين للشرائط مع جميع المناسك وتأدية كل ما فيهما. كذا في الكشاف وتفسير القاضي ومجمع البيان، أي المراد الإتيان بهما لا الإتمام بعد الشروع فيهما , ويؤيده قراءة: أقيموا الحج والعمرة.
هذا ما ذكره المحقق الأردبيلي في كتابه زبدة البيان في أحكام القرآن وفي تفسيره الآية، وواصل كلامه قائلاً:
وقيل: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك أو تفرد لكل منهما سفراً أو أن تجرده لهما، ولا تشوبه بغرض دنيوي أو أن يكون النفقة حلالاً.
فيما جاء بالخبر الصحيح أن الإحرام من الميقات من تمام الحج, وفي حسنة عمر بن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد الله (ع) بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس وجاء الجواب بإملائه (ع) , سألت عن قول الله عز وجل: وَ لِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: «يعني بهما الحج والعمرة جميعاً لأنهما مفروضان» .
وسألت عن قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوُا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةَ للهِ .
قال: يعني بإتمامهما أداءهما واتقاء ما يتقي المحرم فيهما ,
وسألت عن قوله تعالى: اَلْحَجَّ الأَكْبَر ما يعني بالحج الأكبر؟
فقال: الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار. والحج الأصغر العمرة. (17)
وقال في مجمع البيان: وقيل معناه أقيموهما إلى آخر ما فيهما , وهو المروي عن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين وعن سعيد بن جبير ومسروق والسدي.
ثم يخلص قائلاً:
فعلى هذه التفاسير كلها تدل الآية على وجوب الحج والعمرة ابتداء وإن لم يكن شرع فيهما، والظاهر أنه لا خلاف عندنا فيه، ويدل عليه الأخبار أيضاً وعلى وجوب القربة في فعلهما، فيفهم وجوب النية فيهما وفي سائر العبادات؛ لعدم القائل بالفصل كما هو مذهبنا، فاندفع بها قول الحنفي بعدم وجوب النية، وعدم وجوب العمرة، وأما دلالتها حينئذ على إتمام الحج المندوب، وإتمام الحج الواجب الفاسد والعمرة كذلك كما قيل، فليست بواضحة إلا بتكلّف، نعم لا يبعد وجوب إتمامهما في الفاسد بدليل وجوب أصلهما، وأصل عدم سقوط الباقي بالإفساد والأصل بقاؤه.
ثم يقول بعد سرده لكل هذا:
ولكن ظاهر الآية - والقول مازال للمحقق الأردبيلي - مع قطع النظر عن التفاسير التي تقدمت وجوب إتمامهما بعد الشروع، فتفيد وجوب إتمام كل منهما بعد الشروع ندباً أو مع الإفساد، وحينئذ لا تدل على وجوبهما أصالة وقبل الشروع.
من هذا يظهر أن هناك قولين في المسألة:
الأول: أن الآية تدل على وجوب الحج والعمرة ابتداء وإن لم يشرع فيهما. الثاني: وجوب إتمامهما بعد الشروع.
وإضافة لهذا، فقد بسط المفسرون القول فيما فهموه من مقطع الآية الأول، فقد فهم بعضهم أن الأمر وَأَتِمُّوُا أمرٌ بإتمام الحج والعمرة متى بدىء فالعمرة ليست فريضة عند بعضهم، ومع هذا ورد الأمر هنا بإتمامها كالحج. مما يدل على أن المقصود هو الأمر بالإتمام لا إنشاء الفريضة بهذا النص. ويؤخذ من هذا الأمر كذلك أن العمرة - ولو أنها ابتداء ليست واجبة