159- إلا أنه متى أهلّ بها المعتمر فإن اتمامها يصبح واجباً. والعمرة كالحج في شعائرها ما عدا الوقوف بعرفة. والأشهر أنها تؤدى على مدار العام. وليست موقوتة بأشهر معلومات كالحج. فهنا فهمان، ونحن نذكر خلاصة ما صوّبه بعض المفسرين والفقهاء،
فبعد أن اتفقوا على أن الشروع في الحج والعمرة يلزم إتمام كل منهما، حتى عند الذين يرون استحباب العمرة لا وجوبها، بمعنى أنه إذا شرع الحاج أو المعتمر في أعمال أحد النسكين فيتعين عليه إتمامه؛ إلا أن أنظارهم تفاوتت في المقصود بقوله تعالى: (وَأَتِمُّوُا) على أقوال حاصلها:
القرطبي في الجامع لأحكام القرآن
اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج والعمرة لله، فقيل: أداؤهما والإتيان بهما، كقوله: فَأَتَمَّهُنَّ (18) وقوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (19) أي ائتوا بالصيام، وهذا على مذهب من أوجب العمرة، على ما يأتي. ومن لم يوجبها قال: المراد تمامهما بعد الشروع فيهما، فإن من أحرم بنسك وجب عليه المضي فيه ولا يفسخه، قال معناه الشعبي وابن زيد. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص، وفعله عمران بن حصين. وقال سفيان الثوري: إتمامهما أن تخرج قاصداً لهما لا لتجارة ولا لغير ذلك، ويقوي هذا قوله: «لله» وقال عمر: إتمامهما أن يفرد كل واحد منهما من غير تمتع وقران، وقاله ابن حبيب. وقال مقاتل: إتمامهما ألا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم، وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. فقال: فأتموهما ولا تخلطوهما بشيء آخر.
الطوسي في التبيان
أحدهما: أنه يجب أن يبلغ آخر عمالهما بعد الدخول فيهما وهو قول مجاهد، وأبي العباس المبرد، وأ بي علي الجبائي.
والثاني: قال سعيد بن جبير، وعطاء، والسدي: إن معناه إقامتهما إلى آخر ما فيهما، لأنهما واجبان.
الثالث: قال طاووس: إتمامهما إفرادهما.
الرابع: قال قتادة: الاعتمار في غير أشهر الحج.
ثم يقول: وأصحّ الأقوال الأول.
الطبرسي في مجمع البيان
أي أتموهما بمناسكهما وحدودهما وتأدية كل ما فيهما عن ابن عباس ومجاهد، وقيل: معناه أقيموهما إلى آخر ما فيهما، وهو المروي عن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين وعن سعيد بن جبير ومسروق والسدي. .
وقد صوَّب الطبري في "تفسيره" من هذه الأقوال، قول من قال: المراد بالإتمام، إتمام أعمال الحج والعمرة بعد الدخول فيهما، والقيام بهما على الوجه الذي شرّعا عليه، وهكذا هو ابن كثير الذي قال:
وظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما. ولهذا قال بعده: فإن أحصرتم، أي صددتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من إتمامهما، ولهذا اتفق العلماء على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها. . .