153
قراءة في آية من آيات الحج
وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (1) .
توزعت الآيات الخاصة بالحج على سور عديدة كسورة البقرة وآل عمران والمائدة وسورة الحج. . وفي سورة البقرة وبعد أن ذكر سبحانه وتعالى أحكام الصيام، ثم تحدث عن الأهلة وأنها مواقيت للناس والحج، وعطف بذكر الجهاد، فالأشهر الحرم. . شرع في بيان مناسك الحج بالآيات 196 - 203 فأمر بإتمام الحج والعمرة. .
والآية المذكورة 196 هي أول آية نزلت في خصوص الحج، بمقاطعها التي جاءت في أفعال الحج. . فيما الآيات الأخرى نزلت في حجة الوداع آخر حجة حجها رسول الله (ص) وفيها تشريع حج التمتع، حيث إن أول ما يلاحظ في بناء هذه الآيات جميعاً هو تلك الدقة التعبيرية في معرض التشريع , وتقسيم الفقرات في الآية لتستقل كل فقرة ببيان الحكم الذي تستهدفه. ومجيء الاستدراكات على كل حكم قبل الانتقال إلى الحكم التالي. . ثم ربط هذا كله في النهاية بالتقوى ومخافة الله سبحانه وتعالى. . وما يهمنا في هذه المقالة هو أن نقف عند المقطع الأول من الآية 196 وهو: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلهِ و هذه الآية هي واحدة من آيات الحج التي يستدل ببعضها على وجوبه:
(وَ لِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (2) .
روي عن ابن عباس: «ومن كفر باعتقاده أنه غير واجب» .
وَ أَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَْنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (3)
و الفقرة الأولى في الآية التي نقف عندها تتضمن الأمر بإتمام أعمال الحج والعمرة إطلاقاً متى بدأ الحاج أو المعتمر فأهلّ بحج أو بعمرة أو بهما معاً، أو أنها تتضمن الأمر بابتداء مشروعية الحج والعمرة على الاختلاف في المراد من الفعل وَ أَتِمُّوا. . . كما يأتي.
و إن هذا المقطع من ضمن الآية التي نزلت - كما ذكر المفسرون - في الحديبية سنة ست للهجرة، حين صدّ المشركون المسلمين عن بيت الله الحرام، وذهب بعضهم إلى أن الحج لم يكن قد فرض بعد حيث إنه فرض في السنة التاسعة للهجرة على رأيهم بالآية: وَ لِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (4) ولهذا فهموا أن المقصود من الكلام في الآية وَأَتِمُّوُا. . . العمرة وليس الحج، لأن الحج لم يفرض على رأيهم بعد، وإنما ذكر الحج تبشيراً للمؤمنين بأنهم سيتمكنون من الحج فيما بعد، وعدوا هذا من معجزات القرآن. وبالتالي فإن هذه الآية لا تدلنا على تاريخ بداية إقرار فرض الحج في الإسلام وأنه في السنة السادسة، وإلا فإن الحج فرض من عهد نبي الله إبراهيم (ع) قبل ألفي سنة قبل الميلاد تزيد أو تنقص قليلاً فهو الذي شرعه بأمر الله تعالى، وجاء الإسلام وأقرّ فريضة الحج إلى يوم القيامة وطهر رسول الله (ص) البيت من الأوثان وعبادة الأصنام كما طهربيدي نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل (عليهما السلام) من قبل:
وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (5)
وَ إِذْ بَوَّأْنا لإِِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِى شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (6)