152- بدءاً بالفرد الحاج مروراً بالجماعة الحاجة، فالأمة الحاجة- الصبر وتحمل المشاق وحسن الخلق بدءاً باللطف والتواضع واللين وحسن المحادثة مروراً بالكرم والتعاطف والتراحم وانتهاء بالامتناع عن الكذب والغيبة والجدال والخصومة والتكبر وغير ذلك.
والحج دورة ميدانية يتعود الإنسان الحاج فرداً كان أم جماعة أم أمة، الألفة والتعارف عن طريق السفر والاختلاط فتنمو لديه الروح الاجتماعية وتتهذب عنده الملكات الأخلاقية، كل هذا وهو يشارك في كل الممارسات التربوية، ويساهم في التفاعل البشري الرائع، الذي يشهده في الحج، في حضره وفي سفره، في سكنه وإقامته وفي ترحاله، و بأرقى درجات الالتزام والاستقامة السلوكية.
وقد تحدث الإمام جعفر الصادق (ع) عن منافع الحج وفوائده، بإجابته البليغة عن سؤال أحد أصحابه وهو هشام بن الحكم، فقد سأله ما العلة التي من أجلها كلف الله سبحانه وتعالى العباد بالحج والطواف بالبيت؟
فقال (ع) : «إن الله خلق الخلق. . . وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا ولينزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمال، ولتعرف آثار رسولالله (ص) وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى» (8) .
وقول الإمام علي بن موسى الرضا (ع) يتطابق مع تعليل الإمام الصادق وتحليله لمنافع الحج وآثاره الاجتماعية التي يجنيها الفرد والمجتمع حين قال: «إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى الله عز وجل، وطلب الزيادة، والخروج من كل ما اقترف العبد، تائباً مما مضى، مستأنفاً لما يستقبل، مع ما فيه من إخراج الأموال، وتعب الأبدان، والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر النفس عن اللذات، شاخصاً في الحر والبرد، ثابتاً على ذلك دائماً، مع الخضوع والاستكانة والتذلل، مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، لجميع من في شرق الأرض وغربها، ومن في البرّ والبحر ممن يحجّ وممن لم يحجّ، من بين تاجر وجالب وبائع ومشترٍ وكاسب ومسكين ومكار وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه، مع ما فيه من التفقه، ونقل أخبار الأئمة (عليهم السلام) إلى كل صقع وناحية، كما قال الله عزّ وجل:
فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (9)
لقد شاء الله تعالى أن يكون الحج محراباً للعبادة. . . ومدرسة للتربية والتوجيه وموسماً للمنفعة وتحقيق المصالح الاجتماعية. وساحة مباركة لتوحيد الصفوف المؤمنة والأمة المؤمنة بما ذكرناه مما فهمناه وعرفناه وقرأناه عنه. . لتنال بذلك حب الله تعالى ورضاه، ولتحقق ما تصبو إليه من خير عميم وكرامة وعز لا يضام. وهكذا هو الحج وهكذا هي مظاهره، وهكذا هي معانيه ومفاهيمه وأبعاده وآثاره وعطا ءاته: رِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (10)
إنه بحق خير فريضة وأعظم ميدان وأصدق ساحة تطبيقية لمبدأ التعارف الجميل الذي صدعت به الاية الكريمة:
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا . (11)
1) الأنفال: 46.
2) البقرة: 196.
3) سورة النور: 55
4) سورة آل عمران: 96.
5) الحج: 26.
6) قريش: 3-4.
7) الحج: 27- 28.
8) وسائل الشيعة 14: 11.
9) المصدر نفسه 7: 8.
10) التوبة: 72.
11) الحجرات: 13.