149
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا .
والحج تتحقق فيه وحدة العبادة ووحدة الأخوة الإسلامية بكل معانيها، ومظاهر هذا واضحة جلية: فالرب واحد، والقبلة واحدة، والمشاعر واحدة، واللباس واحد، والمناسك واحدة، والزمان واحد، والمكان واحد، كل شيء يتسم بالوحدة ويؤشر عليه. فكل هذه المظاهر تجتمع في الحج، وهي مدعاة للإحساس بوحدة الشعور، وموجبة للتآخي، والتعارف، والتعاون على مصالح الدين والدنيا، كيف لا يكون كذلك والكعبة هي الجامعة وهي عنوان التوحيد، عنوان الدين، عنوان الإسلام، وهي كما جاء في صحيح أبي بصير، عن أبي عبدالله (ع) أنه قال:
لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة .
فالكعبة تمثل العنوان الخارجي للإسلام، فما دامت الكعبة المشرفة قائمة يؤمها المسلمون في جموع كبيرة في حجهم ويطوفون بها ويعظمونها ويتوجهون إليها في عبادتهم، فالدين قائم.
كما أن الكعبة أول مظاهر الوحدة، فهي إضافة إلى أنها قبلة المسلمين التي يتوجه إليها في كل يوم خمس مرات أكثر من مليار مسلم، تلخص عنوان دعوة الرسل إلى توحيد الله، ووحدة المسلمين أي كلمة التوحيد ووحدة الكلمة ووحدة الموقف، وحتى تظهر هذه المشابهة بين الكعبة المشرفة ودعوة الرسل هو أن الكعبة كانت ولا تزال أهم العوامل لقيام الناس في توحيد الله وتعظيمه وعبادته. .
ففي الحج يجتمع المسلمون من أقطار الأرض حول الكعبة، حول البيت العتيق، الذي يتجهون إليه كما قلنا كل يوم خمس مرات، بل في كل فرض ومستحب ودعاء، البيت الذي يقصدونه بقلوبهم وأفئدتهم من خلال صلواتهم وهم في بلادهم الشاسعة البعيدة، هم الآن يجتمعون حوله ويرى بعضهم بعضاً، يتصافحون، ويتشاورون، ويتحابون، خلعوا تلك الملابس المختلفة والمتباينة من على أجسادهم، ووحدوا لباسهم، ليجتمع بياض الثياب مع بياض القلوب، فهو صفاء في صفاء، صفاء في ظواهرهم وصفاء في بواطنهم. .
ولابد من الإشارة إلى أن هذه الفريضة فيها من المعاني الروحية التي لاتعطيها أو لا تتأتى لعبادة أخرى - وهي أيضاً من أسمى مظاهر هذه الفريضة - وأن تقديس تلك الأماكن المعظمة والاهتمام بها والتواجد فيها والاستزادة من معانيها ومضامينها له الأثر البالغ في تربية الحجاج وتطهيرهم وتوعيتهم. . وعلى رأس تلك الأماكن الشريفة الكعبة المعظمة زادها الله شرفاً؛ فهي أول بيوت العبادة التي وضعها الله لعبادته:
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (4) .
بعد أن بوأه الله تعالى لنبيه وخليله إبراهيم (ع) :
وَ إِذْ بَوَّأْنا لإِِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِى شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (5)
والله تعالى هو ربه:
(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِى أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (6)
وهوصاحب هذا البيت دون غيره، وهي أي الكعبة أصل الأرض، كما في رواية عن أهل البيت (عليهم السلام) :
إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَيْتٍ وَضَعَهُ اللهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَّا لَهُ رَبٌّ وَ سُكَّانٌ يَسْكُنُونَهُ، غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَا رَبَّ لَهُ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ هُوَ الْحُرُّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَهُ قَبْلَ الْأَرْضِ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِه، ِ فَدَحَاهَا مِنْ تَحْتِهِ .
عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي جَعْفَر (ع) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لِمَ سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقَ؟ قَالَ: هُوَ بَيْتٌ حُرٌّ عَتِيقٌ مِنَ النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ .