148بشؤون الأمة والعقيدة، فتخطط المشاريع، ويفكر في الأعمال، وتؤسس المراكز الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويستعين بعضهم ببعض، وكأنهم جسد واحد، وروح واحدة، وكيان واحد. .
فللحج إذن وقت محدد ومكان معين ومناسك وإن تعددت فهي واحدة، وزي موحد ونداء واحد، يجتمع فيه المسلمون ليؤدوا فيه مناسكهم، وقد تحدث عن هذا القرآ ن الكريم:
ألْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِى الْحَجِّ (2)
جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْىَ وَالْقَلَائِدَ
ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
هكذا إذن حددت الآيات زمناً وعينت مكاناً لهذه الفريضة المباركة وهما يشكلان وغيرهما مظهراً مهماً من مظاهر الوحدة، فتوحيد الزمن والموضع من توحيد الهدف. كما أن الكل مطالب بأداء مناسك الحج من أماكن محددة بدءاً بالإحرام من المواقيت المعروفة من غير تجاوز، والطواف بالبيت المحدد دون غيره، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، ثم المزدلفة والمبيت بمنى ليلتين أو ثلاثاً لأداء أعمالها من الذبح والحلق أو التقصير ورمي الجمار. . .
لا فقط إذن الظرف الزمني محدد والظرف المكاني معين والمواقيت، بل حتى المناسك والأنشطة التي يكلف بها الحجاج هي الأخرى محددة، فكلهم يقومون بنفس الأعمال مما يجسد ويعمق المساواة بينهم تمهيداً لبناء الأخوة والمحبة، ويجعل الوحدة بينهم متجددة في كل ساعة وفي كل مكان وفي كل عمل يقومون به ويؤدونه، وتعيش معهم في كل خطوة يخطونها وفي كل ساعة يقضونها. . وبالتالي جميع هذا يعد دليلاً على الترغيب الملحّ والتشجيع في توحيد الصفوف وتحقيق ما في الوحدة من قوة وصلابة. .
الحج كما هو واضح من وظائفه ومهامه وأهدافه، يفسح المجال ويعطي الفرصة ويهيؤها للمسلمين لمواساة بعضهم بعضاً من خلال لقاءاتهم المتكررة، وتقارب آمالهم وآلامهم، وهذا مقوم مهم لقوتهم ووحدتهم. . و هذا أيضاً من مظاهر هذه الفريضة المباركة. .
الحج يعد موسماً كبيراً واعياً رائداً واعداً لاجتماع العلماء والمفكرين والدعاة إلى الله والمصلحين، وهم أهل الذكر والفكر وهم القادرون على التشاور بينهم، لأنهم الأجدر في البحث بشأن هموم الدين ومشاكل الأمة والعمل على إيجاد حلول لها و جمع شملها، والبحث في الوسائل والأساليب المعينة على ذلك. .
والحج موسم لاجتماع الأغنياء بالفقراء، والعمل على مواساتهم، والتعرف على آلامهم وحاجاتهم ثم التخفيف عنهم، مما يجسد مبدأ التضامن والتلاحم بين أفراد هذه الأمة المرحومة. . .
الحج تواجد واعد في تلك البقاع المباركة لأيام وإن كانت قليلة، ويعد اختباراً لآمال الأمة وإرادتها، وبوتقةً لأنشطتها ولما يشغل بالها، حيث يتطلعون جميعاً إلى عهد زاهر تتظافر فيه جهودهم، ليشكلوا وحدة شاملة، ترفعهم فوق الأمم، وتعيد لهم تلك الريادة والسيادة التي ضاعت من أيديهم بسبب الفرقة والنزاع، ويتم الله تعالى وعده لهذه الأمة بالاستخلاف الموعود. . والله غالب على أمره، وهو يتولى الصالحين.
يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون (3)
انطلاقاً من بركات هذا البيت الأول والمعمور ومن هداه ومن خصائصه و آياته البينات الأخرى: