58فمع اشتباه الموضوع وحدّ الجبل يكون المرجع الاُصول العمليّة والذي اخترناه اقتضاؤها البراءة وعدم تعيّن السعي في القدر المتيقّن.
وقد يكون الشكّ للترديد في صدق الصفا بعد تعريضه صناعيّاً بضمّ صخور إلى الربوة يوجب زيادة عرضها فمثل هذا يلازم الجزم بعدم صدق صفا - فعلاً - على الزيادة؛ بعد عدم الجزم بالصدق؛ ولا واسطة بين الجزمين.
وقد يُقال: إنّ لازمه عدم إجزاء السعي في غير القسم الأصلي لا للأصل العملي بل لمقتضى الدليل الاجتهادي؛ حيث إنّ الواجب هو السعي بين الصفا والمروة، ومع عدم صدق صفا على الزيادات والملاحق لا موجب لكفاية السعي في ذاك الموضع؛ ومقتضى الأمر تعيّن السعي في موضع يصدق عليه السعي بين الشعيرتين.
ولكن يردّه: أنّه وإن فرض الجزم فعلاً بعدم صدق صفا مثلاً على الزيادات الملحقة ولكن لا جزم بعدم الصدق لغةً في عصر التشريع؛ لاحتمال تغيّر الوضع؛ وقد سبق أنّ أصالة عدم النقل لا مجرى لها لنفي الأوضاع وإنّما مجراها إثبات الوضع ولو لكونه المتيقّن من مجاريها بعد كون دليلها لبّياً.
وعليه فحيث يشكّ في صدق السعي بين الشعيرتين بحسب المفهوم والمعنى المعاصر للمشرّع، ولا أصل لفظي يعيّنه، كان المرجع الاُصول العمليّة تجاه وظيفة المكلّف، وقد قرّرنا أنّ مقتضاها البراءة في مثل المقام وفاقاً لسيّدنا الاُستاذ وغيره من بعض مشايخنا وغيره.
ولا بأس بالإشارة إلى بعض تطبيقات مشايخنا للحكم بالبراءة على الشبهات المفهوميّة المماثلة للمقام. قال شيخنا التبريزي في مسألة حدود عرفة ومشعر: ومع الشك في بعض الحدود فيها يجب الاقتصار على القدر المتيقن؛ لقاعدة الإشتغال؛ وإن كان لجريان أصالة البراءة مجال. إلا أنها على خلاف الاحتياط المراعى في مسائل الحج 1.
أقول: غرضه من الإحتياط في الحج ما كان يصر عليه سيدنا الأستاذ من التأكيد على رعاية الإحتياط في الحج معلّلاً بأنه غالباً يقع مرة في العمر فلا ينبغي ترك الإحتياط فيه؛ ولذا كان هو يحتاط في الفتوى في مسائل الحج بمجرد بعض الأقوال مع أن مبناه في عدم الإعتناء بالشهرات في الفقه بل بالإجماعات معروف.
ثم إنّ هناك إشكال عام في تطبيق أصالة البراءة على جملة من موارد الأقل والأكثر الإرتباطيين التي منها موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير، مثل الشبهات المفهوميّة في نسك الحج والعمرة التي يتوقف عليها الخروج عن الإحرام مضافاً إلى وجوبها؛ كالشك في صدق الطواف بالبيت مع كون المطاف أرفع من بناء الكعبة المشرفة وكالشك في صدق السعي بين الصفا والمروة مع خروج الساعي أثناء سعيه عن الخط الموازي كما لو كان خط السعي منكسراً أو محدّباً بناءً على تحقق الشك في ذلك ونحو ذلك جملة من موارد أخر.
تقريب الإشكال أن المكلّف قبل أداء النسك موضوع لأحكام المحرم التي منها حرمة جملة من الأمور يعبر عنها بتروك الإحرام؛ فهو مخاطب بالنسك ومخاطب بأحكام المحرم قبل الخروج عن الإحرام بأداء النسك، فإذا أتى المكلّف بالنسك على الوجه الصحيح فلا شبهة في تحقق الوظيفة والخروج عن عهدة التكليف كما أن مقتضى أدلة الخروج عن الإحرام بأداء النسك انقطاع أحكام المحرم بعد أدائها على الوجه الصحيح.
وأمّا إذا أتى المحرم بالنسك بناءً على أصل البراءة فاقتصر على القدر المتيقن من التكليف وترك الإحتياط فإنه وإن خرج عن عهدة التكليف المنجز وليس عليه الاحتياط من ناحية التكليف بالنسك كما في سائر موارد الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين، إلا أنّه حيث لم يحرز بما فعله صحة عمله كما صرح بذلك عدة من المحققين في تلك المسألة كان بعد العمل شاكّاً في الخروج عن موضوع الإحرام أو في استمرار حكم التروك عليه ومقتضى الاستصحاب هو عدم انقطاع تلك الأحكام حينئذ.
كيف لا؟ وقد صرحوا بأن البراءة عن الجزء المشكوك لا يثبت أن ما أتى به المكلّف من العمل هو الواجب إلا بنحو الأصل المثبت الذي لا اعتبار به؛ فإن غاية مقتضى أصل البراءة عدم تنجّز الجزء المشكوك لا كون ما عداه هو المكلّف به.
ونتيجة هذا الإشكال هو عدم تأثير أصل البراءة في موارد التكاليف المشكوكة المرددة من الأقل والأكثر الارتباطيين إلا في عدم تنجز التكليف المشكوك لو كان متعلقاً بالأكثر، فلا يؤثر في انقطاع استمرار الأحكام الثابتة قبل أداء التكليف التي هي كالأثر للموضوع لو كان استمرارها محتملاً كما لو احتمل توقف انقطاع تلك الأحكام على أداء العمل على الوجه الصحيح مثل احتمال استمرار أحكام الإحرام بالإتيان بالنسك بدون الإحتياط حيث يحتمل توقف انقطاع تلك الأحكام على الإتيان بالنسك على الوجه الصحيح، لا مجرد العمل على وجه يسقط التكليف عن الباعثيّة.
ومثله ما لو احتمل وجوب التسليمة الأخيرة في الصلوات فإنّه يشكّ المكلف في جواز استدبار القبلة حيث يحتمل كون عمله نقضاً للصلاة ومقتضى الاستصحاب بقاء حرمة نواقض الصلاة التي منها الاستدبار قبل الاتيان بالتسليمة المشكوك وجوبها.
ومن قبيله ما ورد من أن المسافر إذا صلى أربعاً بتمام، بعد نية الإقامة ثم عدل عنها استقر عليه التمام مادام لم يسافر؛ فإنّه لو كانت صلاته من قبيل الصلاة المجتزي بها على أساس أصل البراءة في الأجزاء المشكوكة يشكل الاكتفاء بها في ترتب الحكم المتقدم بعد ما كان مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان بالصلاة الصحيحة، فيندرج في عموم ما دل على أن المسافر غير المقيم عشراً يقصّر.
ومن قبيله ما لو كان التلبس بالصوم مبنيّاً على أصل البراءة ونحوه كما لو استمر في الأكل إلى أن قطع بطلوع الفجر فإنّه لا يجوز كون إمساكه بعد القطع بطلوع الفجر من الصوم الصحيح وإن جاز الاكتفاء به في مقام الإمتثال، بعد حجّية استصحاب الليل؛ ومعه فيشك في كون الأكل بعد هذا الإمساك مصداقاً لإفطار الصوم الموجب للكفارة. وإن كان لا يجوز لكونه موجباً لإحراز المخالفة والقطع بترك الواجب، وكذا لو صام مبنياً على