57نعم، الأمر التوليدي هو أن يكون مطلوب المولى نتيجة فعل العبد ومعلوله كسلامة المريض ونضج الغذاء وطبخه بالمعنى الاسم المصدري لا معناه المصدري الذي هو متّحد مع فعل المكلّف لا أنّه معلول له؛ بخلاف المعنى الاسم المصدري؛ فإنّه أثر فعل المكلّف.
فضابط الأمر التوليدي المقصود في بحث الاشتغال والذي يعبّر عن موارده المشكوكة بالشكّ في المحصّل هو: مغايرة المطلوب مع ما هو فعل المكلّف مغايرة المعلول للعلّة والمسبّب للسبب. وإلاّ فالأمر بفعل المكلّف مقيّداً بترتّب غرض عليه كإسقاء الدواء الرافع للمرض والذي يُعبّر عنه بالعلاج والمداواة، راجع إلى العنوان والمعنون لا المحصِّل والمحصَّل، فلا تغفل.
إن قلت: يلزم على ما ذكر جواز الاكتفاء بما يشكّ كونه علاجاً للمريض وهذا لا يساعده الارتكازات العقلائية فلا مناص من عدّ مثل الأمر بالعلاج تكليفاً بأمر توليدي.
قلت: حيث ثبت عدم جواز الاكتفاء بما يشكّ معالجته للمريض يعلم أنّ المطلوب والمأمور ليس هو فعل المكلّف الذي هو العلاج، بل المطلوب هو حصول براءة المريض وزوال علّته الذي هو معلول فعل المكلّف وكان الأمر بالعلاج تعبيراً - في مقام الإثبات - عن مطلوبيّة برء المريض وكناية عنه؛ لا أن يكون هو متعلّق الأمر حقيقةً؛ وإلاّ فلو كان الأمر بالمعالجة أمراً بفعل المكلّف لا بالمسبّب عنه فلا فرق بينه وبين الأمر بالطواف مع الشكّ في صدقه راكباً على دابّة أو نحو ذلك، فكما أنّ الثاني من الأمر بالعنوان المتّحد مع فعل المكلّف فكذا الأوّل.
وبالجملة: فما ذكرنا كان ضابط الأمر التوليدي بحسب الثبوت؛
وأمّا إثباتاً فربما يكون التعبير بحسب معناه الحقيقي مساعداً مع العنوان المتّحد مع فعل المكلّف ولكنّه قصد الكناية به عن الأمر التوليدي؛ وقد يكون الأمر بالعكس فيطلب الأمر التوليدي ويحمل على الأمر بفعل المكلّف. نظير ما ذكره بعضهم 1 من أنّ الأمر بالطهارة - بناءً على كونها مسبّبة حقيقةً عن فعل المكلّف من الغسل والمسح - محمول على الأمر بنفس فعل المكلّف أعني الغسلات والمسحات بعد كون الطهارة أمراً لا يكشف عنها إلاّ الشارع؛ وليس للعرف سبيل إليه إلاّ ببيان نفس الشريعة؛ فيكون الأمر المتعلّق بها أمراً بسببها الذي هو فعل المكلّف؛ بخلاف الاُمور التوليديّة العرفية كالطبخ حيث يجوز الاتّكال في بيانها على العرف فلا يكون الإجمال في سببها موجباً لصرف الأمر منها إلى سببها.
وهذا الكلام وإن كان مورداً للتأمّل عندي ولكنّه يصلح مثالاً لما رمناه.
ثمّ إنّا قد ذكرنا في بعض الأبحاث أنّ الشبهة المفهوميّة من أهل اللغة تساوق الجزم بعدم الوضع؛ إذ لا مجال لتحكّم الشكّ في الوضع من أهل اللغة؛ إمّا لكون الوضع متقوّماً بتعهّد أهل اللغة أو بكونه متقوّماً بارتكاز المعنى بحيث يتبادر من إطلاق اللفظ ذاك المعنى؛ ومع اشتباه المفهوم وعدم التبادر يلزم عدم ارتكاز المعنى المقوّم للوضع ولازمه عدم الوضع فعلاً.
نعم المعقول من الشبهة المفهوميّة هو الشكّ في الوضع سابقاً؛ وإن كان لا وضع فعلاً لكون الشكّ بدواً ملازماً للجزم بعدمه.
وبعد فرض تعيّن المعنى فعلاً يحكم بثبوته كذلك سابقاً بضمّ أصالة عدم النقل المتسالم عليه عند العقلاء وعليه بناء الفقهاء.
إلاّ أنّه ينقدح في المقام إشكال تقريبه أنّ المعروف عند الاُصوليّين هو كون المرجع في الشبهات المفهوميّة هو الاُصول العمليّة، مع أنّه كان ينبغي بما قرّرناه أن يكون المرجع بعد تعيّن الوضع فعلاً وضمّ أصالة عدم النقل هو الدليل الاجتهادي لا الأصل العملي.
وإن شئت قلت: إنّه يقع الإشكال في مجرى أصالة عدم النقل بعد عدم تطبيقها في المورد.
ويمكن حلّ إشكال تطبيق أصالة عدم النقل بوجهين:
أحدهما: إنّ أصالة عدم النقل إنّما تجري في إثبات الوضع لا في نفيه؛ فإنّه إذا فرض كون الأمر موضوعاً للوجوب فعلاً وشكّ في سبق الوضع كان أصل عدم النقل مثبتاً لقدمه؛
وأمّا إذا شكّ في وضع اليوم لما بعد استتار القرص قبل ذهاب الحمرة المشرقيّة وكانت نتيجة عدم إحراز الوضع الجزم بعدم وضع اليوم فعلاً لما يعمّ زمان استتار القرص وقبل ذهاب الحمرة ولكن حيث يشكّ في وضع اليوم قديماً للأعمّ فلا أصل ينفي ذلك؛ وليس بناء العقلاء على أصالة عدم النقل في مثل ذلك.
ثانيهما: إنّ أصالة عدم النقل لمّا كان مدركه بناء العرف والعقلاء - وهو دليل لبّي لا إطلاق له - يقتصر فيه على القدر المتيقّن؛ والمتيقّن من مجاريها هو ما إذا كان الوضع ثابتاً بغير ترديد ولو بدوي؛ والمقصود أنّ الوضع قد يكون واضحاً باعتبار أصله وحدّه وقد يكون الوضع ولو باعتبار حدّه ثابتاً بعد إعمال المنبّهات، ولذا يعبّر بالشبهة المفهوميّة وإن انتفت الشبهة وتعيّن المعنى في المآل.
والمتيقّن من جريان أصالة عدم النقل ما كان المعنى بحدّه ثابتاً بوضوح وبغير شبهة ولو في الابتداء وإلاّ فلا يقين بجريانه.
إذا عرفت ما ذكرناه فنقول: الشكّ في صدق السعي بين الصفا والمروة قد يكون للترديد في عرض الشعيرتين واحتمال هدم بعض عرضهما بعد كون الواجب هو السعي في واقع ما بين الشعيرتين لا عنوانه.