55ويكفي في صدق السعي الواجب ملاحظة الشعيرتين ووقوع السعي بين الربوتين وهذا ما يصدق بوضوح في المسعى الموجود في هذه الأزمنة وحتّى الآن وهو جمادى الاُولى من سنة 1426ه- . ق.
المسألة الثامنة:
إذا شكّ في عرض المسعى لشبهة مفهوميّة كالشكّ في اعتبار محاذاة الصفا والمروة حين المشي إليهما في قبال جواز المشي في عرض أوسع من عرض الشعيرتين مثل السعي في خط منكسر أو محدّب يكون وسطه خارجاً من عرض الشعيرتين، ومن جملة موارد الشبهة المفهوميّة الشكّ في مقدار عرض الشعيرتين بعد احتمال حذف بعضهما بسبب إحداث الشوارع والأبنية حول المسعى، فما هي وظيفة المكلّف؟ وهل يجوز له السعي في مواضع الشكّ والاكتفاء به في أداء الوظيفة؟
ومن جملة الشبهة المفهوميّة ما لو احتمل ارتفاع صفا والمروة زائداً على الحدّ الموجود الآن بحيث احتمل محاذاة الطابق العلوي للشعيرتين بحسب وضعهما القديم بناءً على كفاية محاذاة مواضع صفا والمروة وعدم اشتراط وجود بناء فعلي لهما أو كفاية وجود أصل الربوتين وعدم اشتراط محاذاة لبناء زائد على أصلهما.
ومن موارد الشبهة المفهوميّة للسعي ما لو شكّ في صدق صفا والمروة بإنشاء تعريضهما وضمّ صخور إليهما؛
كما أنّه لو اعتبر في المسعى أن يكون المشي بحذاء صفا والمروة أعني الربوتين وشكّ في حدّه من جهة تردّد مقداره بين الأقلّ والأكثر أيضاً دخلت المسألة في الشبهة المفهوميّة وكان الحكم فيها هو ما تقدّم.
ومرجع ذلك كلّه إلى الشكّ في التعيين والتخيير، وقد وقع الخلاف في كون المرجع في ذلك هو البراءة والتخيير أو هو الاحتياط والتعيين؛ وقد فصّلنا الكلام في ذلك في بعض البحوث بما أثبتنا به الحكم بالبراءة وفاقاً لعدّة من المحقّقين 1، وذكرنا أنّ لذلك مصاديق عدّة في الحجّ وغيره؛
منها: كفاية الوقوف في موضع يشكّ في كونه من عرفات أو مزدلفة.
ومنها: كفاية المبيت بمنى في موضع يشكّ في كونه من منى أو خارجاً عنه.
ومنها: كفاية المبيت في موضع يشكّ في كونه من وادي محسر إذا ضاق الناس بمنى وتبدّلت الوظيفة إلى الارتفاع إلى وادي محسر.
ومنها: كفاية الطواف في موضع يشكّ في صدق الطواف بالبيت كالطواف في الطابق الأعلى بناءً على الشكّ في صدق الطواف بالبيت فيه، لاحتمال اعتبار محاذاة البيت في مفهوم الطواف وعدم صدقه بدون ذلك.
ومنها: كفاية الطواف عند الزحام اختياراً مع استناد الحركة إلى دفع الزحام للطائف لو شكّ في استناد الطواف إليه معه.
إلى غير ذلك من موارد الشبهة المفهوميّة في نسك الحجّ والعمرة وغيرهما.
وكيف كان فالنتيجة التي انتهينا إليها هي الحكم بالبراءة؛ إلاّ أنّه فاتنا هناك التنبيه على مقال للمحقّق الإصفهاني نتعرض له نذكره في المقام استدراكاً لما فات. فنقول بعد التوكّل على الله:
ذكر المحقّق الخراساني أنّ الموضوع له أسماء العبادات - بناءً على وضعها الصحيح - هو معنى بسيط لكنّه ينطبق على المركّب الخارجي انطباق الكلّي على فرده؛ فالترديد في تعيين ذاك المعنى لا يوجب كون الشكّ فيه من الشكّ في المحصّل؛ بل الترديد في تعيينه يحقّق الترديد في نفس العمل الخارجي من حيث كونه الأقلّ أو الأكثر، فحيث إنّ المعنى منطبق على العمل لا مسبّب عنه فالحكم على المعنى راجع إلى الحكم على منطبقه فيكون الشكّ في المعنى من حيث كونه موضوعاً أو متعلّقاً للحكم راجعاً إلى الشكّ في تعيين منطبق المعنى الذي هو في الحقيقة موضوع الحكم أو متعلّقه.
ولازمه أنّ المعنى وإن لم يكن ممّا يقبل الانحلال إلى معلوم ومشكوك - لكونه بسيطاً ولذا لا مجرى للأصل بلحاظه - ولكن لمّا كان المنطبق عين المعنى لا محصِّله فالانحلال فيه إلى معلوم ومشكوك معقول فيدخل في مسألة الأقلّ والأكثر والاختلاف فيه من حيث البراءة والاشتغال.
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني - بالغضّ عن تعقّل انطباق البسيط المقولي على المركّب الذي يلزمه كون شيء مركّباً وبسيطاً وهو من اجتماع الضدّين - بأنّ:
كون النسبة بين المأمور به وما يباشره المكلّف اتّحادية أو بنحو السبب والمسبّب لا دخل له في لزوم الاحتياط وعدمه كما رامه الآخوند، بل الملاك في لزوم الاحتياط والعدم كون ما هو مأمور به بالحمل الشائع مجملاً ينحلّ إلى معلوم ومشكوك فيدخل في مسألة الأقلّ والأكثر الارتباطيّين والخلاف في حكمها من براءة أو احتياط أو كونه مبيّناً فيتعيّن فيه الإحتياط سواء كان الإجمال في سببه ومحققه ليندرج في السبب والمسبّب، أو كان الإجمال في منطبقه ومصداقه إذا كان نسبة المأمور به إلى عمل المكلّف نسبة الكلّي والمصداق؛ وإنّما يجب الاحتياط في ذلك لعدم انحلال المأمور به - بالحمل الشائع - إلى معلوم يتنجّز ومشكوك يجري فيه البراءة 2.