53وربما يحصل من فرض زيادة ضلع مثلث من باب صفا إلى وسط عقد صفا على ضلعه الآخر من الباب إلى بداية الصفا - كما لعله ظاهر عبارة الأزرقي - بعشرة أذرع تقريباً إمكان تحديد شعيرة صفا فحاسب وتأمل.
أقول: المتراءى من صاحب الجواهر فيما حكينا من عبارته نوع من التردّد في تعيين المسعى؛ واحتمال نقله من محلّه الأصلي إلى موضع آخر؛ وكأنّه عوّل في ردّ هذا الاحتمال وإسقاطه عن الاعتبار على ما يشبه أصالة عدم النقل المعتبرة في اللغات في ردّ احتمال نقل الألفاظ من معنى إلى غيره مع تعيّن المعنى فعلاً واحتمال تجدّده وكون المعنى في عصر النصوص غيره.
فكأنّ صاحب الجواهر اعتبر سيرة الناس على السعي في المسعى الفعلي كاشفة عن سبقها إلى عصر النصوص وثباتها وعدم تجدّدها.
مع أن من لاحظ ما تقدّم من عبارات السير إن لم يثق بحدوث تغيّر ما في المسعى فلا أقل من احتماله بما لا يدفعه أصالة الثبات المشابهة لأصالة عدم النقل في اللغات أو هي أعم منها بعد كون مدركها البناء العقلائي الذي لو لم يجزم بعدمه في المقام فلا أقل من عدم إحرازه.
ثم لما كان ما حكي من تغيير المسعى في عصر المهدي العباسي معاصراً للإمام الصادق(ع) من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ومن بعده فلو كان ذلك عملاً مغيراً للشرع وبدعة منكرة لصرخ الأئمة(عليهم السلام) في وجوه العامّة وأئمّتهم وأنكروا ذلك عليهم أشد الإنكار وكان في حكم تغيير الكعبة والمطاف عن موضعهما كما صرحوا بأن تغيير المقام كان بدعة من عمر ولم يمنعهم من ذلك تقية أو نحوها فكان سكوت النصوص عن إنكار أهل البيت(عليهم السلام) والنقمة على ما حدث، دليلاً على عدم صدور الإنكار وحجة على التقرير.
ثم لم يحدث بعدهم تغيير في المسعى سوى ما فعله أخيراً حكام الحجاز من تطويق المسعى بالجدر وضم ما بين المسعى والمسجد إلى المسجد بل وضم بعض المسعى إلى المسجد.
ثمّ المتراءى من صاحب الجواهر احتمال كون المسعى المعاصر له بعضاً من المسعى المعاصر للنبيّ(ص) والذي معه يكون السعي مجزياً فيه.
وياليت صاحب الجواهر اعتمد في تعيين المسعى على ما يقتضيه ظواهر النصوص من وجوب كون السعي بين الصفا والمروة، والمفروض أنّ الصفا والمروة ليسا معدومين ليعتمد في تعيين مواضعهما على إخبار الناس أو سيرتهم، فلا يحتاج تعيين ما بين الصفا والمروة في هذا العصر فضلاً عن عصر صاحب الجواهر إلاّ إلى الوقوف على الصفا مثلاً والنظر إلى المروة أو بالعكس.
والتغيير في المسعى لا يمكن بنقله إلى مكان مباين مع وجود شعيرتي الصفا والمروة.
ولو كان التشكيك في تعيين المسعى صادراً ممّن لم يحجّ ولا رأى المسعى وشعيرتيه لربّما كان له مجال.
وعلى أيّة حال فالأصل في تعيين المسعى وحدّه طولاً وعرضاً هو النظر العرفي بعد كونه المعيار في مطلق الأبواب والأحكام في تحديد الموضوعات والمتعلّقات؛ ولا إجمال في النصوص في كون الواجب هو السعي بين الصفا والمروة، وهذا الأمر لا خفاء فيه ليحتاج إلى الرجوع إلى السيرة ونحوها.
نعم، ربّما يشكل الأمر في عصرنا من ناحية احتمال حذف بعض الشعيرتين من قبل الحكّام المتأخّرين فيقع الإجمال في حدّ عرض المسعى بعد عدم الإجمال في أصله، والله العالم.
ولعمري إنّ كلام صاحب الجواهر ليذكّرني بالرواية التي تضمّنت أنّ النبيّ(ص) كان يرشد أصحابه إلى سعة الموقف في عرفات وغيرها، وأنّه ليس الموقف خصوص مواضع أخفاف ناقته.
فإنّه هَبْ أنّ رسول الله(ص) سعى بين الصفا والمروة في طريق خاصّ ولكن المسعى بحسب نصوصهم(عليهم السلام) ليس خصوص مسير النبيّ(ص) بعينه؛ بمعنى مواضع أخفاف ناقته؛ بل كلّ ما يصدق عليه السير بين الصفا والمروة، كما أنّه لم يكن الموقف خصوص مواضع أخفاف ناقته في مشاعر عرفات وغيرها بل كانت عرفة ومزدلفة ومنى كلّها مواقف بلا اختصاص بموضع رحل النبي(ص).
وعلم صفا والمروة ليس شيئاً مطموساً غير قابل للمشاهدة ليشكّ في صدق السعي بينهما سيّما في عصر صاحب الجواهر الذي لميحدث ما حدث في الأعصار الأخيرة على أيدي حكام الحجاز.
والذي أراه أنّ هذه البنية الموجودة في هذه الأعوام الأخيرة - والآن سنة 1428ه- - والذي يتحدّد عرضه بما يقرب من عشرين متراً بخطّ مستقيم بين صفا والمروة ممّا لا مجال للريب في صحّة السعي فيه بتمام أجزائه لمحاذاة هذا الطريق بأجمعه للمشعرين.
فما يظهر من بعض المحتاطين أو ينقل من الوسوسة في جواز السعي في بعض هذا المقدار والتحرّز من بعض عرضه الواقع في الجانب المقابل للمسجد لا المتّصل بالمسجد محتجّاً بأنّ المسعى قد وسّع من ذاك الجانب واُدخل فيه ما لم يكن منه، فإنّ مثل هذه الوسوسة في غير محلّها بعد وضوح أعلام المسعى وعدم انطماس ما يحاذي كلّ العرض الموجود للمسعى.
بل وجود المجال لتعريض المسعى أكثر ممّا عليه الآن واضح لمن نظر إلى شعيرتي صفا والمروة؛ فإنّ عرضهما أكثر من عرض المسعى الفعلي ومعه فيتّسع المسعى باتّساع عرض الشعيرتين لا محالة.