52وفيه عن القطب: من أعجب ما نقل في التعدّي على المسعى الشريف ما وقع قبل عصرنا بنحو مأة سنة في أيّام الجراكسة في سلطنة الأشرف قايتباي، ومحصّله: أنّه كان له تاجر يخدمه قبل سلطنته في أيّام إمارته، اسمه شمس الدِّين ابن الزمن؛ وهو أنّه كان بين الميلين - لعلّه يعني ميلي الهرولة في المسعى - مياض أمر بعملها الملك الأشرف شعبان ابن الناصر قلاوون، وكانت تلك المياضي في مقابلة باب، على حدّها من المشرق بيوت للناس ومن الغرب المسعى ومن الجنوب مسيل وادي إبراهيم الذي يؤدّي إلى سوق الليل ومن الشمال دار العبّاس الذي هو الآن رباط، فاستأجر الخواجة ابن الزمن هذه المياضي وهدمها وهدم من جانب المسعى ثلاثة أذرع وحفر الأساس ليبني عليه رباطاً يسكنه الفقراء فمنعه من ذلك القاضي إبراهيم بن ظهيرة فلم يمتنع؛ فجمع القاضي محضراً من العلماء وفيه من علماء المذاهب الأربعة وطلبوا الخواجة وأنكر عليه جميع الحاضرين وأحضروا له النقل بعرض المسعى من تاريخ الفاكهي وذرعوا له من جدار المسجد إلى المحلّ الذي وضع فيه ابن الزمن الأساس فكان عرض المسعى ناقصاً ثلاثة أذرع؛ وأرسل - القاضي - عرضاً فيه خطوط العلماء إلى قايتباي وكتب ابن الزمن أيضاً إليه، وكانت الجراكسة لهم تعصّب وقيام في مساعدة من يلوذ بهم ولو على الباطل، فلمّا وقف السلطان على تلك الأحوال وتغيير ابن الزمن، أرسل عزل القاضي وولّى غيره؛ وأمر أمير الحجّ أن يضع الأساس على مراد ابن الزمن؛ فبنوا إلى أن صعدوا به على وجه الأرض وجعل ابن الزمن ذلك رباطاً وسبيلاً وبنى في جانبه داراً صغيرة وصغّر المياضي جدّاً وجعل لها باباً من جهة سوق الليل. هذا ملخّص ما ذكره القطب الحنفي في تاريخ الإعلام 1.
قال الكردي: وممّا يشبه ما ذكره الإمام القطبي في تاريخه عمّا اخذ من أرض المسعى واُدخل في المسجد الحرام ما حدث في زماننا في التوسعة السعوديّة للمسجد الحرام وتكسير شيء من جبل صفا إلى جبل مروة زيادة في عرض المسعى وليكون منظره جميلاً في رأي العين وذلك في سنة (1377) هجرية، فإنّ هذه الحادثة تشبه ما ذكره الإمام القطبي لكن مع الفارق؛ فما ذكره القطبي عبارة عن إدخال جزء من المسعى في المسجد الحرام، وأمّا ما نذكره فهو عبارة عن إدخال جزء من جبل صفا إلى حدود المسعى.
فممّا لا شكّ فيه أنّ هذا الجزء المأخوذ من جبل الصفا في زماننا هذا والمدخول في حدود المسعى لم يكن رسول الله(ص) وأصحابه الكرام قد سعوا في هذا الجزء المستحدث اليوم؛ فعلى هذا لا يجوز السعي في هذا الجزء المأخوذ الآن من هذا الجبل كما لا يجوز السعي من الدرج الجديدة المستحدثة الآن وبين المروة، فلابدّ للساعي من المروة أن يصل إلى درج الصفا القديمة المقابلة للحجر الأسود، فمن أراد الاحتياط لدينه والبراءة لذمّته فليترك من جدار المسعى فيما بين الصفا والمروة نحو مترين 2.
وقال: أبو البقاء المكي الحنفي المتوفى 854 ه- ق. في ذكر زيادة المهدي الثانية للمسجد الحرام: وإنّما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي ثم يسلك في زقاق ضيق حتّى يخرج إلى الصفا من التفاف البيوت فيها بين الوادي والصفا وبحال المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم فلما حج المهدي سنة أربع وستين ومائة الخ... 3
وقال ابن أخ القطبي فيما اختصره من تاريخ عمّه فيما يتعلق بزيادة المهدي الثانية:
وكانوا يسلكون من المسجد في بطن الوادي ثم يسلكون زقاقاً ضيقاً ثم يصعدون إلى الصفا وكان السعي في موضع المسجد الحرام اليوم عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي فيها علم المسعى وكان الوادي يمر دونها في بعض المسجد الحرام اليوم فهدموا أكثر دار محمد بن عباد المذكور وجعلوا المسعى والوادي فيها 4.
وقال حسين عبد الله باسلامة في كتاب تاريخ عمارة المسجد الحرام: فلما كانت سنة 1345ه- أمر جلالة ملك المملكة السعودية الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن فيصل آل سعود خلد الله ملكه، بفرش شارع المسعى من الصفا إلى المروة، فابتدأ العمل أولاً بهدم عموم النواتئ التي على ضفّتي شارع المسعى من مبتدئه إلى منتهاه، فلمّا تمّ إزالة النواتئ، ابتدأ العمل بالرصف من الصفا وكان انتهاء رصف شارع المسعى في أواخر ذي القعدة من سنة 1345ه- فصار يعد ذلك الشارع في غاية الإستقامة وحسن المنظر 5.
أقول: ذكرنا هذه العبارة لتضمنها ضم مواضع النتوء بعد هدمها إلى المسعى.
ثم أقول: قد ذكر في كتب التواريخ جملة من الأقيسة ربما يتمكن على أساس محاسبتها تحديد عرض شعيرتي صفا والمروة وإن كان لم يتيسر لي ذلك فعلاً ولكن نذكرها عسى أن يقف غيرنا على ما لم نقف عليه وذلك على أساس محاسبة بعض أضلاع المثلث بعد تعيين بعضها.
قال الأزرقي: وذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا مأتا ذراع واثنان وستّون ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً.
وذرع ما بين المقام إلى باب المسجد الذي يخرج منه إلى الصفا مأة ذراع وأربع وستون ذراعاً ونصف.
وذرع ما بين باب المسجد الذي يخرج منه إلى الصفا إلى وسط الصفا مأة ذراع واثنتا عشرة ذراعاً ونصف.
ومن المقام إلى الصفا مأتا ذراع وسبع وسبعون ذراعاً.
ومن الركن الأسود إلى المقام ومن المقام إلى الصفا ومن الصفا إلى المروة سبع، ستة آلاف ذراع وخمسمأة وثماني وثلاثون ذراعاً وسبع عشرة إصبعاً.
وذرع ما بين الصفا والمروة سبعمأة ذراع وست وستون ذراعاً ونصف 6.
وللفاسي في شفاء الغرام كلام حول بعض هذه الأقيسة راجعه واجمع بينهما 7.