45والذي يهوّن الخطب أيضاً ما تكرّر منّا من أنّه لو شكّ في أمثال ذلك فحيث إنّ الشبهة مفهوميّة راجعة إلى الشكّ في التعيين والتخيير وكان المختار عندنا فيها هو الحكم بالبراءة والتخيير كان المكلّف مرخّصاً في ذلك.
وبالجملة ربّما كان المعروف تعيّن السير في المسعى بخطّ مستقيم يتحدّد بصفا والمروة في طوله؟
وهناك احتمال بل قول آخر وهو كفاية السير بخطّ مستدير كالقوس محدود بصفا والمروة.
نعم، يعتبر في مسير السعي أن يكون طريقاً متعارفاً فلا يجوز الخروج من الصفا إلى الكعبة والعود منها إلى المروة أو الخروج إلى بعض شعاب مكّة والعود؛ وليس المراد من المتعارف هو الوقوع فعلاً؛ بل المقصود ما يعدّ في العرف طريقاً لذاك المقصد وإن كان قد يوصف بالبعد كما يوصف أحياناً بالقرب ولكنّه لا يوصف بعدم كونه طريقاً لذاك المقصد. فالسير بين حدّي صفا والمروة نظير السير بين بلدين فإنّ السائر بينهما على الجواد المتعارفة يعتبر ماشياً بينهما وإن لم تكن الجادّة خطّاً مستقيماً محدوداً بالبلدين؛ ولا موازياً في كلّها للبلدين، بل لو انحرفت الجادّة من جهة البلد المقابل لجبل أو وادي أو غير ذلك من الموانع لم يكن السائر فيها خارجاً عن السير بين البلدين.
ألا ترى أنّ الماضي إلى مكّة قد ينحرف في الجادّة عن جهة القبلة وتكون الجادّة منحرفة عن تلك الجهة، ومع ذلك فما دام المقصد والمنتهى في تلك الجادّة هي مكّة يكون السائر إلى مكّة بين بلده وبين مكّة.
نعم، لا يكفي في كون الشخص بين بلد وبين مكّة مجرّد كون قصده النهائي مكّة إذا لم يكن طريقه إليها ممّا يعدّ طريقاً متعارفاً إلى مكّة، كما لو خرج إلى جهة غير مكّة لتجارة أو غيرها، أو بدون غاية وكان قصده الرواح إلى مكّة من ذاك الطريق. ولذا كان المعروف بين الفقهاء عدم وجوب الحجّ على من يتوقّف حجّه على الدوران في البلاد ممّا لا يكون طريقاً متعارفاً للحجّ، بل يكون مثله غير مخلّى السّرب الذي لا يجب عليه الحجّ؛ فإنّ سرب الحجّ ما يعدّ في العرف طريقاً للحجّ لا ما ينتهي بالشخص إلى مكّة ولو بالدوران في البلاد كالخروج من العراق إلى بلاد الصين والتعرّج منها عبر البحار إلى الحجاز، فإنّ هذه المسافة لا تعتبر طريق الحجّ للعراقي ويكون الذهاب إلى الحجّ عبره من الحجّ عن غير طريقه وبسبب انسداد طريقه وعدم خلوّ سربه.
فيتحصل أن صدق الطريق المتعارف يكون بأمرين:
أحدهما: الطريق المستقيم.
ثانيهما: الطريق المشتمل على الانحراف إذا كان مقدار الانحراف يسيراً، أو كان الانحراف فاحشاً ولكن كان سبب الإنحراف ما يمنع من استقامة السير كجبل أو وادٍ أو غير ذلك حتى الزحام ونحوه.
وعلى هذا فالمنطلق من صفا إلى جهة مروة في خطّ مقوّس يكون ساعياً بين صفا والمروة وإن لم يكن في بعض النقاط محاذياً لهما كما في وسط الخطّ حيث إنّ القوس في وسطه أوسع من عرض المشعرين.
وهذا نظير النهر الجاري بين بلدين أو قريتين مع عدم محاذاته في بعض النقاط لهما.
ونحوه أيضاً من تردّد بين بيته وبيت صديق له عبر الشوارع مع عدم محاذاته في بعض الأزقّة والشوارع لأحد المكانين مع أنّه يصدق في مورده المشي بين البيتين والتردّد بينهما، وكذا السعي.
وقد لاحظت بعض الصور الحاكية عن المسعى المصوّرة قديماً وحديثاً قبل البناية الأخيرة فوجدت المسعى فيها خطّاً مقوّساً يخرج الساعي من الصفا منحرفاً إلى اليمين متوجِّهاً إلى مروة وكأنّه يدور في سيره إلى مروة.
هذا كلّه بالغضّ عن أنّه إذا كان هناك مانع كبناية أو نحوها في الخطّ المستقيم المحاذي للمشعرين وانحصر الطريق في سلوك خط منحرف كالقوس فإنّه يصدق السير بين المشعرين فهو كما لو وجد جبل مانع من السير المستقيم وتوقّف السير المتعارف على الاستدارة في السير.
ومن جملة الموانع ما إذا كان المنع بسبب الزحام، ألا ترى أنّ من سلك طريقاً إلى مقصده منحرفاً عن الطريق الأقرب بسبب زحامه يعدّ سائراً بين المبدء والمقصد وإن كان لو سلك ذاك الطريق بدون زحام الطريق الآخر لم يصدق عليه الكون بين المبدء والمقصد أحياناً.
نعم، لابدّ أن لا يكون الانحراف شديداً كالذي مثّلنا به من الحجّ الدوراني وإلاّ فيكون السلوك بين المبدء والمقصد بغير طريقه. والمنصرف من دليل السعي وغيره أن يكون السلوك بما يعدّ طريقاً لما بين المبدء والمقصد وهو الذي يعبّر عنه بالطريق المتعارف؛ لا ما لا يعدّ طريقاً لذاك المقصد كالحجّ الدوراني.
والناتج مما بينّاه:
أوّلاً: هو صدق السعي بين الشعيرتين مع السير في خط منكسر أو محدّب يتحدّد بالشعيرتين حتّى اختياراً مع التمكن من السير مستقيماً. نعم يشترط أن لا يكون الانحراف عن الطريق المستقيم فاحشاً وبعيداً بما يمنع من صدق الطريق العرفي ولو البعيد لما بين الشعيرتين وما في الكلمات من