44ويؤكّد ما ذكرناه أيضاً أنّ في الرواية: ردّ البيت إلى موضعه وإقامته على أساسه، والظاهر أنّ المراد به توسعة البيت لا تضييقه لما ورد من أنّ الشاذروان أو غيره كان جزءاً من البيت وإنّما اختصرها العرب في البناء القديم لقصور نفقاتهم عن بناء الزيادة؛ ففي رواية في الوسائل قال: روى جماعة من فقهائنا منهم العلاّمة في التذكرة حديثاً مرسلاً مضمونه: بأنّ الشاذروان كان من الكعبة 1.
وفي رواية الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عائشة: من المتّفق عليه أنّ النبيّ(ص) قال لها: يا عائشة لولا أنّ قومك حديثوا عهد بجاهليّة. وفي رواية: حديثوا عهد بكفر. وفي رواية: حديثوا عهد بشرك - وأخاف أن تنكر قلوبهم لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما اخرج منه ولزقته بالأرض وجعلت له باباً شرقيّاً وباباً غربيّاً فبلغت به أساس إبراهيم 2.
ومثله روى في الطرائف قال: من المتّفق عليه من عدّة طرق قالت: إنّ النبيّ... الحديث 3.
أقول: الظاهر أنّ مدركه هو المصدر المتقدِّم أو نحوه. والمتّفق عليه في الاصطلاح عند أهل السنّة يريدون به ما اتّفق عليه البخاري ومسلم في صحيحهما؛ فما في الطرائف من ذكر المتّفق عليه الظاهر في غير هذا الاصطلاح كأنّه وهم.
وفي رواية عن عبدالله بن الزبير يقول: حدّثتني خالتي - يعني عائشة - قالت: قال النبيّ(ص): يا عائشة لولا أنّ قومك حديثوا عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين باباً شرقيّاً وباباً غربيّاً وزدت فيها ستّة أذرع من الحجر فإنّ قريشاً اقتصرتها حين بنت الكعبة 4.
أقول: ما فيه من كون بعض الحجر من الكعبة مردود عليه في رواياتنا وأنّه ليس فيه من الكعبة ولا قلامة ظفر كما في صحيح معاوية بن عمّار 5 المروي في الكافي والفقيه وزرارة المروي في التهذيب 6.
ثمّ إنّ الذي ورد في النصوص من حدّ المسجد الحرام حسب تخطيط إبراهيم وإسماعيل لا ينافي جواز اتّساع المسجد زائداً على ذاك التخطيط كما اتّفق في هذه الأعصار، فإنّه ليس المفهوم من عدم بلوغ الزيادات في عصر الصادق(ع) ما خطّه إبراهيم(ع) وكون تلك الملاحق داخلاً في ما خطّه إبراهيم(ع) أنّه لا يكون الزيادة على خطّ إبراهيم قابلاً للدخول في المسمّى؛ بل المقصود أنّ ما خطّه إبراهيم فهو مسجد وإن لم يبلغه البناء المعاصر للصادق(ع)، وهذا لا ينافي جواز بناء المسجد أوسع ممّا بناه إبراهيم(ع) بل لا ينافي صدق عنوان المسجد الحرام، وترتيب الأحكام الخاصّة به عليه.
كما أن جواز توسيع المسجد الحرام لا يعني جواز إدخال المسعى فيه حسبما نشير إليه.
المسألة الثانية:
هل يجب كون السعي بين الصفا والمروة بخطّ مستقيم أو لا؟ بل يجوز السعي على خطّ منكسر أو محدّب.
لا شكّ في عدم محذور من الانحراف عن الاستقامة في السعي بما لا يُخرج الناسك عن محاذاة المشعرين فلا يجب استقامة السير بخطّ هندسي، فلو انحرف عشرين درجة حال سيره بحيث لو خرج خطّ مستقيم من وجهه لم يوافق أحد المشعرين لم يضرّه ما دام أنّ الناسك واقع بين الجبلين، ولذا كان المتعارف الانحراف أثناء السعي عند مواجهة مانع كإنسان أو غيره.
ومثله الكلام في الطواف حول الكعبة فإنّه لا يجب كون الحركة دائرية هندسيّاً بل لو طاف بيضويّاً ونحوه صحّ بلا كلام.
إنّما الكلام لو خرج الناسك في السعي عن المتعارف في سيره كما إذا فرض أنّه خرج من بعض أبواب المسعى المبني حاليّاً ناوياً السعي في خروجه واستمرّ في الحركة إلى أن دخل من باب متأخّر حتّى انتهى إلى الجبل، فهل يصحّ السعي؟
فالمسعى فعلاً ما يقرب من عشرين متراً، فلو سار من الصفا مائة ذراع نحو المروة ثمّ خرج عن العرض المتقدّم وسار إلى جهة مروة مائة ذراع ثمّ رجع إلى العرض المفروض واستمرّ في سعيه حتّى انتهى إلى المروة ناوياً بذلك كلّه أداء الوظيفة فهل يجزي مثل ذلك؟
وليفرض عدم وجود الجدار المحيط بالمسعىفعلاً؛ حيث إنّ عمدة الغرض من طرح هذه المسألة هو ما وقع الابتلاء به هذه الأيّام من عزم حكومة الحجاز على تعريض المسعى بما يحتمل كون مقداره زائداً عن محاذاة الجبلين.
ويمكن التعبير عن المسألة بكلمة اخرى وهي أنّه لو فرض الصفا والمروة نقطتين فقد يكون السير بينهما بخطٍّ مستقيم وقد يكون بخطّ محدّب كالقوس فتكون الحركة بين الجبلين من قبيل البيضوي، فهل يجزي الثاني كالأوّل؟
لا ريب في عدم الكفاية إذا كان الانحراف فاحشاً لا يعدّ عرفاً سعياً بين المبدء والمقصد الخاصّ كما لو بعد عن المسعى الحالي بفرسخ ونحوه.
إنّما الكلام فيما إذا كان الإنحراف والخروج يسيراً سيّما إذا كان الخروج لمانع ولو كان هو الحكومة أو الزحام ولا يبعد صدق السعي في مثله كما ذكره بعض مشايخنا دام ظلّه وكذا السادة دام ظلّه 7.
وممّا كان يستدلّ به لذلك هو تنظير المسألة بالسير بين البلدين حيث لا ينحصر صدقه فيما إذا كان خطّ السير مستقيماً هندسيّاً، فلو خرج من أحد البلدين ثمّ انحرف أثناء الجادّة المستقيمة وصار إلى قرية قريبة من الجادّة لا تبعد عنها كثيراً واستمرّ منها في سيره إلى المقصد صدق السير بين البلدين كما لو كان سائراً على الجادّة المستقيمة.