38وكيف كان، فالطواف بالشيء لا يصدق فيما نفهم - بمناسبة الاستعمالات - بمجرّد الحضور عند الشيء بدون الدوران حوله.
كما أنّ التطوّف مبالغة في الطواف يستدعي تكرّر الطواف والدوران ولا يصدق بطواف واحد التطوّف، ولعلّه لذا قال تعالى: فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا يريد تعدد الطواف حيث إنّه سبعة أشواط.
ثمّ لمّا كان المتعارف من فعل السعي هو فعله بالدوران حول الجبلين أو عليهما بعد المشي بينهما إمّا لوجود الأصنام على الصفا والمروة أو لغير ذلك جاء التعبير موافقاً لذلك وإن كان لا يجب إلاّ السعي بين الجبلين لا أكثر.
وكيف كان، فالسعي بمعنى الطواف بالصفا والمروة غير ميسّر فعلاً بسبب البنيان المحيط بالمسعى وإنّما الممكن ما هو الواجب من السعي بينهما لا بهما. وكذا يمكن الصعود على الشعيرتين.
ولكن هذا الأمر - أعني الطواف - كان ممكناً قبل البنيان الفعلي للمسعى.
ويحتمل كون التعبير عن السعي بالطواف مجاراةً للطواف بالبيت.
وقد تواترت النصوص على التعبير عن السعي بالسعي بين الصفا والمروة، ففي صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع)في حديث قال:
«إنّ السعي بين الصفا والمروة فريضة» 1.
ونحوه في التعبير عن السعي بكونه بين الصفا والمروة غير واحد من النصوص.
والصفا والمروة إسمان لجبلين صغيرين معروفين أو هما الربوتان. والسعي هو مشيٌ خاصّ أو مطلقه. وفي النص التعبير عن الهرولة بالسعي وأنّه يترك السعي ويمشي بعد موضع الهرولة.
والواجب بضرورة فقه المسلمين هو مطلق المشي وإن فسّر السعي بالإسراع في المشي كما يظهر من بعض النصوص أيضاً حيث دلّ على الكفاية لمن ترك السعي وأتى بالمشي.
إنّما الكلام والغرض الصميم هو بيان حدّ المسعى ومقدار ما بين الربوتين أعني الصفا والمروة من حيث صدق السعي والمشي بينهما؛ وليعلم أنّا لم نعثر على رواية تعبّر عن الصفا والمروة بالجبل، ولعلّ الوجه فيه عدم بلوغهما حدّ الجبل وإنّما هما ربوتان أو هما جزءان من الجبل المتّصل بهما وهما جبل أبي قبيس في ناحية الصفا وجبل قعيقعان في جانب مروة، فلا ينبغي الاستناد في سعة عرض الصفا والمروة بأنّ الجبل لا يكون جبلاً حتّى يعظم في عرضه ولا يطلق على مجرّد الربوات؛ فإنّهما ليسا جبلين؛ وجزء الجبل كأنفه يمكن أن يكون أصغر ممّا عليه الصفا والمروة فعلاً، والتعبير في بعض الكتب عنهما بالجبل ربما كان باعتبار أبي قبيس وقعيقعان حيث إنّ الصفا والمروة من أجزائهما وإن اختصّا باسم.
قال في الجواهر: فالصفا أنف من جبل أبي قبيس بإزاء الضلع الذي بين الركن العراقي واليماني.
وعن تهذيب النووي: إنّ ارتفاعه الآن إحدى عشرة درجة وفوقها أزج كأيوان وعرصة فتحة هذا الأزج نحو خمسين قدماً.
وفي كشف اللِّثام: والظاهر من ارتفاعه الآن سبع درج؛ وذلك لجعلهم التراب على أربع منها. كما حفروا الأرض في هذه الأيّام فظهرت الدرجات الأربع.
وعن الأزرقي أنّ الدرج اثنتا عشرة، وقيل: إنّها أربع عشرة.
قال الفاسي: وسبب هذا الاختلاف أنّ الأرض تعلو بما يخالطها من التراب فتستر ما لاقاها من الدرج.
قال: وفي الصفا الآن من الدرج الظواهر تسع درجات، ومنها: خمس درجات يصعد منها إلى العقود التي بالصفا والباقي وراء العقود، وبعد الدرج التي وراء العقود ثلاث مساطب كبار على هيئة الدرج ويصعد من يصعد من الاُولى إلى الثانية منهنّ بثلاث درجات في وسطها.
والمروة أنف من جبل قعيقعان 2 كما عن تهذيب النووي.
وعن أبي عبيد البصري إنّها في أصل جبل قعيقعان.
وعن النووي: هي درجتان.
وعن الفاسي: إنّ فيها الآن درجة واحدة.
وعن الأزرقي والبكري: إنّه كان عليها خمس عشرة درجة.