٣٩وعن ابن جبير: إنّ فيها خمس درج.
وعن النووي: وعليها أيضاً أزج كأيوان، وعرصتها تحت الأزج نحو أربعين قدماً، فمن وقف عليها كان محاذياً للركن العراقي، وتمنعه العمارة من رؤيته ١.
ثم إن البحث في المسعى تارةً من حيث الصدق في الارتفاع وأنّه هل يصدق السعي على من مشى في مرتفع من الأرض سواء حاذى شيئاً من الجبلين أو لم يحاذ كما لو ارتفع عنهما فكان مشيه فوق الجبلين بحسب الارتفاع كما في الطابق العلوي المبني حديثاً للمسعى.
واُخرى من حيث الصدق في العرض وأنّ العرض الموجود فعلاً للمسعى ما يقرب من عشرين متراً فهل يتحدّد العرض بهذا المقدار أو لا؟
والبحث في حكم العرض تارةً من حيث صدق السعي المطلوب لو بدء السعي بالصفا وختم بالمروة وإن لم يكن جميع المشي بين الجبلين وبحذائهما؛ بحيث يكون السعي في خطّ مستقيم بين الجبلين، فلو مشى بين الشعيرتين بحركة كالقوس أو خط منكسر فهل يجوز ذلك؟
واُخرى: من حيث تعيين مقدار عرض صفا والمروة بعد فرض تعيّن كون الحركة بخطّ مستقيم بينهما؛ لا خط مستقيم هندسي، بل بحيث لا يخرج الساعي عن محاذاة الربوتين في شيء من سعيه.
والكلام في الثاني تارةً من حيث تعيين مقدار العرض الموجود للشعيرتين فعلاً وأنّه بمقدار عرض المسعى الفعلي أو أنّه أعرض أو دونه؟
واُخرى: من حيث تعيين مقدار عرض الشعيرتين قبل العمارات الجديدة التي استلزمت حذف بعض الجبال وإزالتها لإيجاد الطرق وغير ذلكمن الأبنية الحديثة.
وثالثة: من حيث حكم الشكّ في مقدار صفا والمروة لاحتمال كون بعض الطرق ومواضع الأبنية مأخوذة من جبل أبي قبيس أو غيره كاحتمال كونه من جبل صفا والمروة.
ورابعة: من حيث كفاية محاذاة جذور صفا والمروة أو كون العبرة فيهما بالناتئ منهما على الأرض.
وخامسة: من حيث اشتراط وجود الجبل أو الربوة فعلاً عند السعي فلا يكفي وجوده قديماً ما دام أنّه ازيل فعلاً لبناء طرق وشوارع؛ ولا أقلّ من وجوب إعادة بناء الجبل للحكم بجواز السعي في مواضع المحاذاة للقسم الزائل.
وسادسة: من حيث إمكان توسعة المسعى بتعريض حدّه - أعني الصفا والمروة - نظير توسعة المسجد الحرام وغيره، فيزاد في بناء صفا والمروة ويضمّ إليهما في العرض بضمّ صخور إليهما نظير توسّع البلد مثل مكّة ببناء دور فيه؟
وهناك نقاط أخرى للبحث نتطرق إليها إن شاء الله تعالى. فالكلام يقع ضمن مسائل:
المسألة الاُولى:
في إمكان توسيع المسعى بتعريض صفا والمروة نظير توسعة المسجد الحرام وغيره. فضمّ صخور إلى جبل هل يوسعه عرفاً نظير بناء بيوت في البلد موجب لوسعته حقيقةً. ومثله تعريض الوديان كوادي منى ووادي محسر؟ أو أنّ الجبل هو ما يتولّد بصورة طبيعيّة فما يتحقّق بصناعة البشر لا يكون جبلاً، ولو كان لا يكون داخلاً في العناوين الخاصّة كعنوان صفا والمروة وجبل الرحمة وما شاكل ذلك.
الذي ينبغي أن يقال: إن البحث تارة بحسب صدق العناوين بعد طروّ الحالة الجديدة؛ وأخرى بحسب شمول الحكم المرتب على العناوين الخاصة لحالاتها الحديثة.
أمّا البحث في مرحلة الصدق اللغوي والمعنى الوضعي فيستدعي تمهيد مقدمة وهي:
أنّ العبرة في مفاهيم الألفاظ إنّما هو بالأوضاع اللغويّة المعاصرة لصدور النصوص والروايات، ولا عبرة بما حدث من الأوضاع بعد ذلك؛ وهذا جدّ واضح؛ والوجه فيه أنّ المشرّع إنّما حاور الناس بعرفهم ولغتهم، والأوضاع الحادثة بعده هي لغة جديدة وعرف حادث. والإطلاق المقامي القاضي بحمل كلام الشارع على المعاني العرفيّة يقضي بتعيين العرف المعاصر للمشرّع لا ما يحدث بعده وهذا لا مرية فيه.
كما لا ينبغي الشكّ في عدم قصور المفاهيم اللغويّة المعاصرة للشارع عن شمول المصاديق الحديثة حسبما فصّلنا القول فيه في محلّه؛ وذكرنا أنّ المعيار في شمول المفاهيم والإطلاقات هو أن لو نشر من العرف القديم بعضهم وعرض عليه بعض الحوادث عدّها مصداقاً للمفاهيم التي كانت الألفاظ موضوعة لها عندهم؛ مثل النور والسفر بالنسبة إلى النور المصنوع بقوّة الكهرباء وغيره من الأسباب الحديثة وبالنسبة إلى السفر بالوسائط الحديثة التي لا تقاس في سرعتها بالمعاصرات لعهد التشريع.
وبعد ذا وذاك نقول: لا يبعد أن يكون مثل الوحدة الاتّصالية التي هي وحدة حقيقيّة - وإن لم تكن وحدة بالهويّة - كافية في إدراج الحديث من حالات الجبال والتلال في المفاهيم العامّة اللغويّة.