36لقد كان للكعبة تاريخ وحضور في عهد الأنبياء السابقين، وشاهد هذا الكلام أنّ النبيّ إبراهيم(ع) ذكر لله سبحانه عندما أسكن هاجر وإسماعيل في أرض مكّة: رَبَّنٰا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوٰادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ 1، وعندما ودّعهم، وقالت له هاجر: لمن تتركنا؟ قال: «إلى ربّ هذه البنيّة» 2.
ويستوحى من جملة: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ أنّ الكعبة كانت مشهورةً قبل عهد إبراهيم(ع) بأنّها البيت الحرام، وأنّ موضعها كان محدّداً.
ويحتمل أن يكون بناء الكعبة قد هدم أو أصابه الضرر عدّة مرّات نتيجة الأحداث الطبيعيّة والوقائع المختلفة، ثمّ أُعيد بناؤها من جديد، تماماً كما حصل مع بنّائها إبراهيم(ع) حينما أعاد بناءها بيده القويّة، لكن حيث تكفّل الله سبحانه بتدبير أُمور الكعبة ورعايتها، فقال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هٰذَا الْبَيْتِ 3، فلم يذهب إطلاقاً مكان الكعبة وموقعيّتها وكذلك آياتها البيّنات مثل الحجر الأسود، ومقام إبراهيم، و... كما أنّها بقيت مصونة من سهام الأحداث المزعجة المؤلمة، وفي حديث عن الإمام الحسين(ع) يشير إلى حماية هذه الآيات البيّنات، يقول الإمام الباقر(ع) في هذا الحديث:
«نعم، أذكر وأنا معه ]الحسين(ع)[ في المسجد الحرام، وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السيل، ويخرج منه الخارج فيقول: هو مكانه. قال: فقال لي: يا فلان ما صنع هؤلاء؟ فقلت: أصلحك الله يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام، فقال: نادِ: إنّ الله تعالى قد جعله علماً لم يكن ليذهب به، فاستقرّوا...» 4.
وعلى أيّة حال، فظهور الإعجاز الإلهي في خضمّ الأحداث الخطيرة هو ما يضمن صيانة الآيات للحرم بل وضمنها.
لقد كان ارتفاع الكعبة في زمان بُناته: إبراهيم وإسماعيل 9 إلى 12 ذراعاً، كما كان لها بابان، أمّا ارتفاعها في عهد قريش أو ابن الزبير فقد بلغ ثمانية عشر ذراعاً (9 أمتار)، وقد صارت ذات سقف، بعد ذلك، وفي واقعة الحجّاج وابن الزبير بلغت سبعة وعشرين ذراعاً 5، إلى أن بلغت ارتفاعها الحالي.
أمّا أُسسها المعنوية، فتصل - حسب البيان النوراني للإمام الصادق(ع) - إلى نهاية الطبقة الثامنة للأرض، فيما ارتفاعها الحقيقي يبلغ منتهى السماء السابعة 6.
ويُعلم من أنّه عند تطهير الكعبة من الأصنام ووضع الإمام أمير المؤمنين عليّ(ع) قدميه على كتفي رسول الله(ص) ثمّ إلقاء الأصنام من على ظهر الكعبة أرضاً.. أنّ ارتفاع الكعبة آنذاك - حسب الظاهر - كان تقريباً بحجم قامة رجلين متوسّطي القامة، نعم، ثمّة حساب آخر لما أشار إليه أمير المؤمنين(ع) من البُعد المعنوي لهذه الحادثة حيث قال:
«فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو أردت أن أمسك السماء لمسكتها» 7.
وواحدة من الأحداث المرّة التي عرضت على الكعبة، أي القبلة والمعبد ومطاف الأنبياء والأولياء الإلهيّين(عليهم السلام) .. أنّها كانت لمدد عدّة بيتاً للأصنام، أي أنّ عَبَدَة الأصنام في الحجاز كانوا يضعون الأصنام فوق الكعبة، وفي بعض الأحيان يضعونها داخلها، ولهذا كانوا يفتخرون بخزانة الكعبة وإدارتها، وأحد الذين حملوا سمة خازن الكعبة كان أبو غبشان وهو - كما اشير من قبل - قد باع وهو ثمل مفاتيح الكعبة وخزانتها بقدحين من الشراب والخمر.