35الاُخرى، وعلى إثر دعاء النبيّ إبراهيم(ع) مليئةٌ أيضاً بالنِّعم الإلهيّة، يُجْبىٰ إِلَيْهِ ثَمَرٰاتُ كُلِّ شَيْءٍ 1، رغم أنّها أرض ليس فيها طرق الانتاج الزراعي، فصارت نقطة تساقط الثمرات والمحاصيل المختلفة من سائر أنحاء العالم في تمام الفصول، وهي أرض غير ذي زرع، وهذا كلّه من الآيات الإلهيّة الواضحة 2.
2 - قيل: يكفي شرفاً للكعبة أنّ الآمر ببنائها هو الله تعالى، ومهندسها جبرئيل وبنّاءها الخليل ومساعده إسماعيل 3، ومثل هذا الشرف غير ثابت في حقّ بيت المقدس.
3 - بُنيت الكعبة على يد إبراهيم الخليل، وهو من أنبياء اولي العزم(عليهم السلام) ، أمّا بيت المقدس فبناه سليمان(ع) وهو من حفظة شريعة أنبياء أُولي العزم وليس واحداً منهم.
4 - لم يثبت في بيت المقدس أيّ وعد إلهي بحفظه من تهديد الأعداء، أمّا الكعبة فقد جاء فيها هذا الوعد، قال تعالى: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ 4، كما تمّ إنجاز هذا الوعد أيضاً، قال سبحانه: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحٰابِ الْفِيلِ ... 5، أمّا بختنصّر فقد خرّب بيت المقدس وهدّمه دون أن يواجه عقبةً أو تهديداً.
الخصوصيّات الفقهيّة للكعبة
1 - بيّن وجوب الحجّ وزيارة الكعبة بقوله تعالى: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 6، ولم يرد مثل هذا التعبير في حقّ أيّ عبادة اخرى، وقد سبق أن شرحنا هذه النقطة من قبل.
2 - لقد عُدّ زوّار الكعبة من شعائر الله سبحانه، فهتك حرمتهم يقف في صفّ هتك سائر الحرمات الدينيّة، قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تُحِلُّوا شَعٰائِرَ اللّٰهِ وَ لاَ الشَّهْرَ الْحَرٰامَ وَ لاَ الْهَدْيَ وَ لاَ الْقَلاٰئِدَ وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرٰامَ 7.
3 - إذا نجّس شخص الكعبة - والعياذ بالله - عامداً متعمِّداً معانداً، كان حكمه الإعدام، أمّا مَن ينجّس المسجد الحرام عمداً فيُحكم عليه بالضرب الشديد.
4 - كما أنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه 8، كذا الحال في الإسلام الممثَّل، أي الكعبة، لا ينبغي أن يكون هناك بناء أعلى منها، إنّ الخضوع في ساحة الكعبة المقدّسة يستدعي ليس فقط عدم وجود شخص أعلى منها، كما هو كذلك، بل وأيضاً من ناحية الصورة لا يفترض أن يكون أرفع منها لتكون تحته، كما يقول الإمام الباقر(ع):
«لا ينبغي لأحد أن يرفع بناءً فوق الكعبة» 9، وعليه فبناء بيت يستر بناء الكعبة مكروه.
5 - يُستفاد من الآية الكريمة: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ 10، وكذلك من الإعلان العمومي للنبيّ إبراهيم(ع): وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ 11، أنّ الكعبة بُنيت للناس، وهذا معناه أنّ حريمها يسع الناس كلّهم، ومن الممكن أن يمتدّ لكيلومترات عديدة، من هنا، وكما أوضحنا من قبل، يمكن تخريب البيوت الواقعة في أطراف الكعبة حتّى لو لم يرضَ أصحابها بذلك.
6 - لا تخضع إدارة الكعبة للتقسيمات الجغرافية ولا تُحكم للقوانين الدولية الاعتبارية أو المناطقيّة أو الإقليميّة؛ ذلك أنّ الكعبة ليست ملكاً لشخص وكلّ الورعين والمتّقين هم أولياؤها، لا خصوص الشعب الحجازي، قال تعالى: إِنْ أَوْلِيٰاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ 12.
7 - إنّ قبلة المسلمين ومطافهم تعبّر عن بُعد خاصّ يمتدّ في العمق والأسفل حتّى الأرض السابعة ويرتفع في الأعلى حتّى السماء السابعة 13، وتقع الكعبة في هذا البُعد، وإلاّ فإذا لم يكن الأمر كذلك لزم زوال القبلة والمطاف عندما قصف الحجّاج بناء الكعبة بالمنجنيق أو عندما يأتيها سيل فيخرّبها.
من هنا لا يجوز لغير الطاهرين العبور من فوق الكعبة بالطائرة، ومنطلق هذا التحريم كون هذا الفضاء قبلةً، لا أنّ القبلة هي المسجد، ذلك أنّه وإن لم يجز عبور غير الطاهرين في المسجد الحرام إلاّ أنّ المسجدية محدودة، أمّا بُعد القبلة في الكعبة فهو أوسع من ذلك، ومن نطاق المسجد الحرام، وعليه يمكن التمييز في الفضاء بين المسجد الحرام والكعبة.
ملاحظة: لقد جرى توفير حفظ البُعد الخاص الذي تقع الكعبة فيه؛ أمّا سائر الأماكن الاُخرى والأبنية فهي وإن كانت لها أبعاد فضائية، إلاّ أنّه في حال عرض عليها الخراب فلا تحفظ أبعادها الاُخرى ولم تحفظ.
عبقٌ من تاريخ الكعبة
الكعبة أوّل معبد شعبي وعالمي لتمام البشر، قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً... 14، وقد جرى تعيين محلّه وخارطته بإرشاد وأمر من الله سبحانه، قال تعالى: وَ إِذْ بَوَّأْنٰا لِإِبْرٰاهِيمَ مَكٰانَ الْبَيْتِ ... 15.
وبناءً عليه، كانت الكعبة أوّل معبد (لا أوّل بيت) بُني على وجه الأرض، كما أنّه على أساس الرواية التي تبيّن دحو الأرض، فإنّ مكان الكعبة هو أوّل مكان خرج من تحت الماء 16.