25
وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدٰاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوٰاناً وَ كُنْتُمْ عَلىٰ شَفٰا حُفْرَةٍ مِنَ النّٰارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهٰا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللّٰهُ لَكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
1
.
المحاور الأصيلة للوحدة
يتمكّن الإنسان من الحصول على براعم الفطرة المشتركة والمزايا المشتركة للدين العالمي عندما يكون في هذا الدين عناصر الوحدة الأصيلة والثابتة والتوحيديّة.
من هنا أعلن الله سبحانه القرآن الكريم كتاب الجميع ومحوراً فكريّاً وعمليّاً للعالمين، كما قدّم لنا الرسول الأكرم(ص) بمثابة تعيّن لأحكام القرآن بوصفه اسوةً وقائداً عامّاً وعالميّاً، كما جعل الكعبة المقدّسة نقطةً لاجتماع أطراف العالم الإسلامي وقبلةً ومطافاً للعالمين، حتّى يتّحد المسلمون بالحصول على هذه المحاور الأصيلة التوحيديّة، نحاول هنا - وبشكل مختصر - الحديث عن عالميّة هذه المحاور المذكورة:
1- عالميّة القرآن الكريم
الإنسان الكامل سِمَة الرسالة الإلهيّة وحامل النداء الربّاني، وإذا كان مظهراً للاسم الأعظم وأكمل الناس فإنّه يتلقّى كتاباً يكون أكمل الكتب، يستوعب سعة الأرض وامتداد الزمان وانبساط التاريخ؛ لذلك أنزل الله سبحانه القرآن لهداية الجميع على القلب المطهّر للرسول الأكرم(ص). وإضافةً لآيات التحدّي الذي تدلّ على عالميّة القرآن، ثَمّة آيات في هذا الكتاب نفسه تجعله مذكّراً وذكرى للمجتمعات البشرية كافّة، حتّى يتذكّر الجميع عَهْد فطرتهم، كما اعتبر هذا الكتاب إنذاراً سماويّاً كي يظلّ البشر على حذر بأجمعهم من مختلف المعاصي والذنوب 2.
وكما كانت أدلّة عالميّة القرآن ثابتةً وهو تمظهر دعوة النبيّ الأكرم(ص) ومعجزته الخالدة، كذلك هي بنفسها دليلاً على عالميّة رسالته(ص) أيضاً، فكلّ دليل يدلّ على عالميّة رسالة الرسول الأكرم(ص) يدلّ أيضاً على عالميّة القرآن المجيد؛ ذلك أنّهما متلازمان، ودليل كلّ واحد منهما يمثل دليلاً - بالملازمة - على إثبات الآخر.
2- عالميّة رسالة الرسول الأكرم(ص)
إنّ رسالة الإنسان الكامل، والذي هو - بنحو مطلق - خليفة الله ولا أكمل منه في عالم الإمكان، وسيعة شاملة إلى حدّ لا نبيّ بعده على امتداد التاريخ ولا على اتّساع جغرافيا العالم؛ ولا مقارناً له أيضاً؛ من هنا لم يكن من أنبياء أُولي العزم فحسب، بل هو خاتم الأنبياء(عليهم السلام) جميعاً، وخاتمة أصل النبوّة والرسالة، وكلّ الأدلّة الدالّة على خاتميّته دالّة تلقائياً على عالميّة رسالته أيضاً.
إضافة إلى الموارد المذكورة، ثمّة في آيات القرآن ما يتحدّث عن كلّية رسالة النبيّ(ص) ودوامها 3، وأنّها جاءت وبُيّنت لكافّة البشر في تمام الأعصار والأمصار دون اختصاص بفريق خاصّ بعينه.
3- المركزية العالمية الخالدة
لابدّ للناس المعتقدين بالدِّين العالمي والكتاب الكوني، وهم أتباع النبوّة العامّة والدائمة ، أن يكون لديهم مركز عام وثابت لا تغيير فيه، يكون محوراً لتبادل الآراء من مختلف المناطق، حتّى يلتقي الجميع من القريب والبعيد مع بعضهم بعضاً ويطرحوا القضايا العلميّة والعمليّة فيما بينهم، فيعيدوا قراءة مشاكلهم السياسيّة والاجتماعيّة ويقومون بحلّها، كما يوثّقون عُرى العلاقات الثقافيّة والأخلاقيّة... إلى غيرها من الفوائد الاُخرى التي يمكن فهمها من إطلاق الآية الكريمة: لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ فِي أَيّٰامٍ مَعْلُومٰاتٍ 4.
لهذا خصّص الله سبحانه الكعبة المعظّمة، كي يرتبط بها المسلمون في العالم في السنين كافّة، وكذا الأشهر، والأسابيع، والأيّام، والساعات، والدقائق و... وفي مناسبات مختلفة، في شؤون حياتهم كافّة؛ من هنا نقول: «والكعبة قبلتي..» 5 لتعظيم الكعبة وتقديسها وإعلان الارتباط الذي لا ينفكّ بها في الموت والحياة.
إنّ الارتباط العالمي بالكعبة لا ينقطع ولا للحظة واحدة؛ ذلك أنّه وبسبب كرويّة الأرض واختلاف جهة القبلة في البلدان والمدن، ولعدم اتّحاد أوقات الصلوات والأدعية و... في المناطق بالنسبة لسكّان الأرض، فإنّ كلّ لحظة تشهد وجود شخص متّجه إلى القبلة في حال صلاة ودعاء.
وسوف يأتي مزيد من التوضيح حول الأبعاد المختلفة للكعبة المعظّمة في المبحث القادم، كما سنتحدّث عن بعض أوجه الشبه بين الكعبة والقرآن الكريم والرسول الأكرم(ص).
خصائص الكعبة
إنّ البشر الذين يتّجهون إلى جهة واحدة، ويدورون حول محور ومطاف واحد، سوف يعرفون بشكل أفضل معبودهم عندما يتعرّفون على المزايا المعنوية لهذا المعبد، فيعبدون الله دون أيّ شائبة أكثر فأكثر، من هنا ذكر الله تعالى جملةً من الخصائص لقبلة العالمين ومطاف الزائرين، أي بيت الله الحرام، وسوف نشير في مطاوي هذا البحث إلى بعضها.