84
الموقف الأوّل: إنّ هذا النوع من الأفعال لا ينفع في باب الحجيّة؛ حيث لا يُستفاد منه حكمٌ شرعي لعامّة المسلمين، بعد إحراز خصوصيّتها وعدم قابليّتها للتعميم، وإلا لو كان يتسنّى تسرية الحكم لغير النبي لكان ذلك خُلف كونه خاصّاً به صلى الله عليه و آله، وهذا هو الموقف الصحيح؛ لما قلناه وسيأتي.
الموقف الثاني: ما ذكره الشيخ أبو شامة المقدسي (665 ه) من التمييز بين ما أبيح للنبي صلى الله عليه و آله وما كان واجباً عليه أو حراماً، ففي الأول كالزيادة على الأربع، ليس لأحد الاقتداء به، وفي الثاني يستحبّ الاقتداء في الواجب كصلاة الوتر، وترك المحرّم كما قيل في أكل ذي الرائحة الكريهة 1.
وهذا الكلام غير واضح؛ لأنّه إذا كان واجباً عليه أو مستحباً فلا معنى للاقتداء به، إذ إن دلّ دليل خاص على حكم المسألة في حقّنا كان المتبع هو هذا الدليل، فقد يكون حراماً علينا ما كان واجباً عليه، وإذا لم يقُم دليل، فإن أريد وجوب الاقتداء أو استحبابه فلا مدرك له سوى دليل التأسّي، وهو إما لا نقول به من رأس كدليل لفظي، أو كما بيّنا مشروطٌ تحقّقه بصورة الفعل ووجهه، ومن الواضح هنا أنّه بعد إحراز الخصوصيّة لا يمكن أن نقوم بالفعل على وجهه؛ لأنّه إذا كان الفعل مستحباً عليه صلى الله عليه و آله لم يكن معنى لإتياننا به على نحو الوجوب، فهو خُلف شرطية الوجه، وهكذا لو كان واجباً عليه لا معنى لاستحباب الاقتداء؛ لانخرام شرطية الوجه، وأما مع اتحاد الوجه بأنْ يكون واجباً عليه وحكمنا بوجوب الاقتداء أو مستحباً عليه وحكمنا بالاستحباب، فهو:
أ. مضافاً إلى صيرورة دليل التأسّي دالاً على الوجوب والاستحباب وهو خلاف الظاهر منه عرفاً، إن لم نقل بالاستحالة على تقدير القول بتباين مفهومي الوجوب والاستحباب، مع القول باستحالة استخدام اللفظ الواحد في أكثر من معنى، وكلامنا هنا في وجوب أو استحباب التأسي، لا في وجوب التأسي الذي قد ينتج وجوب هذا الفعل أو استحباب ذاك، فهما أمران متغايران.