76نعم، محض قيام النبي صلى الله عليه و آله بفعلٍ ما لا يدلّ على أزيد من إباحة الفعل؛ لأن القيام بالفعل متساوي النسبة إلى احتمال الوجوب والاستحباب والإباحة بالمعنى الأخص، بل الكراهة إذا لم يناف صدورُها العصمةَ، ومعه فيقع الفعل مجملاً لا حكاية فيه عن شيء، فلا يستفاد منه سوى الجامع، وهو جواز الفعل بالمعنى الأعم المقابل للحرمة، ومن الواضح أنّ الأفعال تخالف الأقوال من حيث الصمت في الدلالة فيها، فليس فيها إطلاق وعموم وفق ما يراه العرف والعقلاء، ولهذا لا يؤخذ منها سوى الدلالة المتيقنة، فتندرج في الأدلّة اللبية لا اللفظية، من هنا نبقى فيها مع الجامع إلا مع قيام دليل.
وهذا الدليل هو ما نسمّيه قرينة الفعل، التي تخرجنا من حدّ الإباحة إلى حدّ الوجوب أو الاستحباب. . ولا ضابط لهذه القرينة، بل هي تابعة لمناسبات المسألة وظروفها، فالأمر العبادي يدلّ عادةً على الاستحباب في الحدّ الأدنى 1؛ وذلك لأخذ قصد القربة فيه، وهي - أيالقربة - إما متفرّعة على وجود أمر مسبق أو لا أقلّ على المحبوبية والمرغوبية والحُسن، مما يوجب ظهوراً عند الفقيه في الاستحباب، وإلا كانت العبادة بدعةً.
وتكرار فعلٍ ضمن ظروف قد يعطي الاستحباب أيضاً، وربما أعطى الوجوب، بحسب الشواهد الحافة، وربما لا يعطي أيّ شيء، ومعه فالفعل في أزيد من دلالة الإباحة بالمعنى الأعم يحتاج إلى قرينة خاصّة لا ضابط أصولي لها بشكل قاطع، بل تبقى خاضعةً للموارد الفقهية المختلفة من جهة، ولسعة نظرية العصمة عند الفقيه المتكلّم من جهةٍ أخرى.
وعليه، فتحقيق صورة الفعل ووجهه هو ما يحقّق مصداق الاتّباع والتأسّي، ولا يرى العرف والعقلاء غير ذلك تأسّياً، فلا يقول العرف أنني - لو أتيت بفعل أتاه النبي صلى الله عليه و آله على نحو الوجوب أتيته على نحو الاستحباب - تأسيت بالنبي كما هو