75يساوق عباديّة الفعل؛ فإن الرسول يمكنه أن ينوي قصد القربة من الأكل والشرب وغيرهما فيصير في فعله هذا متعبّداً، كما يمكن ذلك لأيّ متشرّع آخر، دون أن يعني ذلك عبادية هذا الفعل أو ذاك، فلا ملازمة بين التعبّد قلّةً وكثرة وبين عبادية الفعل الذي صدر منه.
والصحيح أن الفعل على حالتين:
الأولى: أن لا تُحرز جهته ولا ملابساته، بل يظلّ غامضاً لا نفهمه ولا ندرك وجهه، فهنا لا يُستفاد منه شيء، على بحثٍ سيأتي.
الثانية: أن نفهمه ونحرزه، فهنا يجب التأسّي، وهذا التأسّي مشروطٌ بأمرين كما ذكر الطوسي والمرتضى وغيرهما 1:
أحدهما: صورة الفعل، فإذا صلّى على كيفية معينة فلا معنى للتأسّي إلا بالإتيان بالصورة عينها بما تحويه من أجزاء وشرائط، نعم، إذا أحرزنا من دليلٍ خارجي أن بعض الأجزاء أتى به النبي على وجه الاستحباب لم يكن في مخالفة الصورة مخالفةً جزئيةً ضررٌ؛ لما سيأتي في الأمر الثاني، فيكون التعديل حاصل الجمع بين حجيّة الفعل وحجية الدليل الآخر الدالّ على التعديل.
ثانيهما: وجه الفعل، بمعنى أن نقوم بالفعل على الوجه والمنطلق الذي قام النبي صلى الله عليه و آله بالفعل على أساسه، فلو صدر الفعل من النبي صلى الله عليه و آله على وجه الوجوب وبنيّته كان معنى ذلك وجوب الفعل، ومؤداه أنه لو أتي بالفعل لكان الاقتداء غير حاصل إلا على نية الوجوب، وهكذا لو أتى النبي صلى الله عليه و آله بالفعل على وجه الاستحباب لم يحصل التأسّي إلا بالإتيان على الوجه عينه، وهكذا.