31وهناك بحث في إمكان صدور المعجزة من غير الصادق في دعواه لايهمّ التعرض له، والحق أنّه لا محذور في تمكّن غير الصادق ممّا لا يتمكّن منه الناس عموماً إذا لم يستلزم إغراءً للناس ولا إغوائهم حسبما حققناه آنفاً من ملاك اعتبار الإعجاز؛ لكون دعوى غير الصادق مشفوعة بحجّة عقلية تبطل دعواه. وإن كان في التعبير عن مثل هذا الخارق بالمعجزة مسامحة. ويشهد لما ذكرنا قصّة السامري واستجابة بعض الدعوات وغير ذلك ممّا شهد به القرآن وغيره.
الجهة الرابعة: في إمكان الإعجاز و تعقّله وهل أن المعجزة توافق قانون العلّة والمعلول واحتياج المعلول إلى العلّة أو أنّها تخالفها وتضادّها؟
وقبل البحث عن موافقة الإعجاز لقانون العلّة لابد من بحث إجمالي عن هذا القانون ومضمونه ومدى صحته ثمّ مقايسة الإعجاز معه فنقول:
إن قانون العلّة أمر بديهي فطري مسلّم قبل أن يكون مؤيداً بحكم العقل.
ويعترف به كلّ ذي عقل سليم بل كلّ ذي شعور كالحيوانات وإن لم تكن ذوات عقول. وحقيقة هذا القانون هو امتناع تحقّق الحادث والممكن في ذاته بدون علّة تحدثه وتفيض وجوده - ولا تفيض الوجود عليه - فإن الممكن ليس شيئاً قبل تحقّقه ليكون قابلاً لفيض، بل هو عدم محض كالممتنع، إلّاأن الممتنع لا يمكن تحققه أصلاً والممكن يتحقّق بسبب العلّة، فنسبة الوجود والعدم إلى الممكن إذا كانت واحدة لا يعقل ترجّح الوجود على العدم إلّابعلّة من خارج الذات. وأمّا ترجح العدم فيكفي له عدم وجود مرجح الوجود فعدم علة الوجود علّة العدم. فليس العدم أيضاً فاقداً للعلّة فما ظنّك بالوجود.
فقانون حاجة الممكن إلى العلّة في وجوده أمر ضروري لا مجال لإنكاره بعد بداهته وكونه مفطوراً لدى الناس بل غريزياً لذوي الشعور.
ولا مناص من تحليل المعجزة وتصويرها بما لا يتنافى مع هذا القانون. وتجدر الإشارة إلى أن القرآن الكريم مع تصديقه الإعجاز يصدّق القانون المتقدم، بل هذا القانون هو من جملة ما يعتمد عليه القرآن بجدّ وأصالة في إثبات حاجة العالم