24فتكلّم الطفل في بعض مراحل الطفولة خرق للعادة وإن كان هذا الطفل لو باشر وليّه تعليمه النطق في نفس تلك المرحلة فتكلّم لا يعدّ إعجازاً، وربّما يكون تكلّم الطفل في بعض المراحل معجزة مطلقة لا يمكن في العادة وفي أيّ ظرف وشروط تحقّقه.
نعم عجز البشر كلّهم طريق واضح إلى معرفة كون الفعل الصادر على وجه الإعجاز قد صدر بغير الوجه الطبيعي والمعتاد، وإلّا فلا موضوعية لعجز الكلّ عن فعله. وربّما لا يتيسر الجزم بالإعجاز ما دام لم يحرز عجز الكلّ أو يحتمل تمكّن البعض لولا ما ذكرناه.
وفي هذا المجال يواجهنا إشكال اُشير إليه في كلام للراوندي صاحب كتاب الخرائج أيضاً؛ وهو أنّه كيف يمكن الحكم بعجز البشر عن معارضة المعجزة بمثلها مع عدم الإحاطة بهم في طول الزمان ولا عرضه سيما الأزمنة البعيدة الماضية والأمكنة القاصية، بل لا يمكن الإحاطة بمن يأتي في الأزمنة المتأخرة وقدرتهم وبدون ذلك لا يحرز الإعجاز؟ !
ويمكن الإجابة عن ذلك بوجوه:
الوجه الأوّل: إنّه لو اعتبر في الإعجاز عجز البشر - كلّهم حتى الناس الذين يأتون بعد زمان المعجزة - إلّاأن العقلاء يعتبرون عجز معاصريهم ومصاحبيهم طريقاً إلى معرفة باقي القدرات ويحصل لهم الوثوق بعدم اختلاف ساير الناس ممن يتواجدون في ساير الأمكنة، ولا من كان في ساير الأزمنة عن معاصريهم في المكنة والقابليّات.
لا أقول: بعدم اختلاف الناس في التطور والتقدم بحسب الأزمان المتأخرة، فإن الوجدان شاهد بتمكّن الناس من اُمور لم يتصورها الناس القدامىٰ؛
بل أقول: بعدم اختلاف الناس في القدرة الطبيعيّة وإن كانت القدرة المعتادة تتجلّى في اُمور مختلفة باختلاف الأزمنة والأمكنة فليس قدرة بعض البشر على بعض الأمور التي كان يعجز عنه غيره من السابقين خارجاً عن القدرة الطبيعية،