23وهناك احتمال ثالث وهو اعتبار عجز السابقين و المعاصرين للإعجاز والمقاربين لعصره بمقدار تسمح الطفرة في تقدّم العلوم عادة. وهذا بحث هامّ جدّاً حيث يترتب على ذلك أنّه إذا كانت العبرة في الإعجاز بعجز الكلّ وإلى الأبد فربما لم يمكن إثبات كون أمرٍ معجزة، حيث يحتمل مجيء زمان يتمكّن الناس أو بعضهم من فعل ذلك فيه، ومعه فلا يمكن للنّبي أن يثبت دعواه بالإعجاز؛ لعدم ثبوت كون فعلٍ معجزة إلّابانقضاء زمانه بل بانقضاء كل زمان يحتمل صدور ذلك الفعل فيه.
وهذا نقض للغرض من الإعجاز الذي هو إثبات دعوى الرسالة ونحوها.
وهذه الشبهة تتزايد قوّةً في هذه الأعصار التي نال العلم فيها تقدّماً وسيعاً في مجالات شتّىٰ وتمكّن الناس من نيل اُمور كانت تعدّ دعوى نيلها سابقاً من الأوهام، بل كان الناس لا يصدقونها في مطلع تحققها وربّما لا يصدق بعض الناس تحققها حتى الآن وبعد مضي زمان طويل من ذلك.
والذي ينبغي أن يقال هو: أن المناط في كون الشيء معجزة هو أن يكون صدورها على يد صاحبها على غير الوجه الطبيعي بحيث لا يحتمل أن يكون نالها بصورة طبيعية ولا يحتمل أن ينالها غيره كذلك، سواء عجز الناس المعاصرون له عن فعله أو لا، وسواء تمكن من تأخّر عن عصره من فعله أو لا.
وربّما يكون الإعجاز في صدور الفعل ابتداءً وإن كان صدوره ثانياً بعد ما صدر أوّلاً من صاحب المعجزة لا يعدّ إعجازاً.
فمعنى الإعجاز هو عجز غير صاحب المعجزة عن تحقيق فعلها على الوجه الذي تحقق من صاحبها وقد تقدّم تأكيد هذا في تقسيم المعجزة إلى المطلقة والنسبيّة.
والعبرة في إمكان التوصّل إلى فعل شيء بصورة طبيعية وأنّه صادر كذلك أولا بحكم العقلاء؛ حيث لا يحتملون كون صاحب المعجزة نال ما أتى به بصورة عادية؛ ولا يعتنون باحتمالات ضعيفة موهومة في هذا المجال كما لا يعتنون بأمثالها في ساير شؤون حياتهم.