145إياها إثر رجوعه من ذلك السفر بعدما عرضت نفسها عليه بناءاً على ما رأته فيه من صدق وأمانة، وما سمعته من ميسرة في شأن الرسول صلى الله عليه و آله من خيرٍ طوال مرافقته له في تلك الرحلة الميمونة.
يقول ابن كثير في السيرة: «فلمّا أخبرها ميسرة ما أخبرها بعثت إلى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فقالت له فيما يزعمون: يا ابن عم إنّي قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك [أي شرفك] في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت نفسها عليه، فلمّا قالت ذلك لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، ذكره لأعمامه فخرج معه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها عليه الصلاة والسلام. وبعد اقترانه صلى الله عليه و آله بخديجة أم المؤمنين رضي اللّٰه عنها استغنى بمالها عن الكسب والضرب في الأرض؛ لأنّه لم يرد في كتب السيرة أنّه زاول نشاطاً اقتصادياً بعد ذلك، بل ورد أنّه كان يذهب إلى غار حراء ليتعبد فيه فترة يرجع بعدها إلى خديجة ليتزوّد بمثلها، حتى جاءه الملك بأول آيات من القرآن، وهي صدر العلق من قوله تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» 1إلى قوله تعالى: «عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» 2.
عن عائشة أنّها قالت: «أول ما بدئ رسول اللّٰه من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: إقرأ. . إلى قوله: «عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» 3.
قال قتادة في هذه الآيات: «كانت هذه هي منازل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قبل أن