140وما جاء به من دعوة وما طالبهم به من الدين، وهو ما يدل عليه ما ذكرناه من آيات وأقوال وما يفيده منطوق قول أبي جهل السابق.
لقد عرضوا عليه كل شيء: المال والجاه والسلطان والسيادة والملك والمغريات الأخرى إن ترك دعوته هذه ودينه هذا كلياً أو جزءاً منه كحل وسط. .
وهذا قوله صلى الله عليه و آله لعمه أبي طالب رداً على ما قدمته قريش له من دنيا:
«يا عم، واللّٰه لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره اللّٰه، أو أهلك فيه، ما تركته. .» .
وأما ماعرضه عتبة بن ربيعة موفد قريش على رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: . . . وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرّقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها.
فقال له رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: قل يا أبا الوليد أسمع.
قال: يابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا. . .
حتى إذا فرغ عتبة ورسول اللّٰه صلى الله عليه و آله يستمع منه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟
قال: نعم.
قال: فاسمع مني.
قال: أفعل.
فراح رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله يقرأ له سورة فصّلت: «حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ * كِتٰابٌ فُصِّلَتْ آيٰاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاٰ يَسْمَعُونَ * وَقٰالُوا قُلُوبُنٰا فِي أَكِنَّةٍ مِمّٰا تَدْعُونٰا إِلَيْهِ. . .»
ثم مضى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فيها يقرأها عليه، فلما سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلى