109وقوله تعالى: «وجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ. . .» 1.
في الآيتيْن الأولتيْن، هناك دلالة صريحة وواضحة على طلب إبراهيم عليه السلام من ربّه أن يجعل في ذريّته جماعة مُسلمة، وبالنظر إلى حرف الجرّ (مِنْ) في الآيتيْن المذكورتيْن، نلاحظ أنّ الطلب المُشار إليه لا يشمل إلا فئة مُعيّنة من ذريّة إبراهيم عليه السلام، وهو ما تمّت الإستجابة إليه في الآية الثالثة.
وبعبارة أكثر وضوحاً إنّ الدّعاء المذكور لم يكن حصرياً على وُلد إبراهيم المباشرين، بل كان ممتدّاً إلى زمان خاتم الأنبياء، ويكفيأن نذكر تكملة الآية الأولى و هي: «رَبَّنَا وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ. . .» لتأكيد ذلك، وقد وردت روايات عديدةبطرق الشيعة وأهلالسنّة تفيداعتبار النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه مصداقاً لتلك الدعوة 2.
وعلى هذا، لا غرو في إفادة تلك الآيات هذا المعنى بشكل واضح، وهو وجود جماعة مُسلمة على الدوام في ذريّة إبراهيم عليه السلام.
والآن لنضع هذه المقدّمة القرآنية إلى جانب الروايات العديدة، والتي جاء فيها عن النبيّ صلى الله عليه و آله:
«أنا من خير سلالة وأشرف عصبة» .
فإذا قلنا: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد انحدر من أسرة كافرة - ولو لجيل واحد -، فإمّا أن نقرّ بعدم وجود فئة مؤمنة في ذلك الزمان، وهو ما يتناقض مع المقدّمة القرآنية المستنتجة من الآية؛ وإمّا أن نقرّ بوجود الفئة المؤمنة لكن النبيّ صلى الله عليه و آله لم يكن في أحسنها أو أشرفها، مُنكرين بذلك المقدمة الثانية والروايات النبويّة، أو الإقرار بأفضليّة الكافر على المؤمن وهو ما لا يتناسب والآية الشريفة «ولَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِك. . .» 3وعلى هذا، وبعد دحضنا للاحتمالات الثلاثة السالفة لا نجد مفراً من الاعتراف بكون جميع أجداد النبيّ صلى الله عليه و آله مؤمنين.