10وهو صاحب البيت ، ذاك النداء الداعي للحضور إلى ساحة هذا البيت بغية الحج والعمرة . . . وصوله إلى أسماع العالم بأقطاره ونواحيه ، ومن الثابت أنّ فضيلةً عظيمةً معدّة لامتثال هذا الأمر الإلهي الإلزامي .
إن سرّ تقديم الأمن على الدعوة إلى الحجّ والعمرة ، وعلى جلب أنواع الثمار من النواحي القريبة والبعيدة إلى هذه الأرض الطيبة هو أن الأمن أطيب النعم الفردية والإجتماعية للإنسان وأجملها وأحبّها إلى قلبه ، ففي ظلّ الأمن تتحقق سائر البركات المفقودة ، كما أن فقدانها يصاحبه زوال هذه النعم الموجودة .
ومن أبرز مصاديق الأمن ومظاهره ، الأمن الثقافي والفكري ، ووجود مناظرات ثقافية سليمة ؛ ذلك أن الحوار وتضارب الآراء والصبر على آراء الآخرين العلمية المنصفة يلعب دوراً رئيساً في وضوح الحق وجلائه ومحو الباطل واندثاره .
لقد كان إبراهيم عليه السلام رائداً في الحوارات العلمية ، وفي الجدال بالتي هي أحسن ، بل في تمام الخصال والسجايا الأخلاقية الكبرى ، وقد كان الأئمة المعصومون من نسل طه وأسرة ياسين صلى الله عليه و آله يعتبرون جوار الكعبة مدرسةً للحكمة ومعهداً للجدال بالتي هي أحسن .
إشارة: كانت الكعبة في بنائها الأصلي موجودةً منذ عصر آدم الصفي عليه السلام ، لكنّها انهدمت تدريجياً وتركت ، وتمّ تجاهلها إلى أن بناها إبراهيم عليه السلام خليل الرحمٰن ، وما حصل على صعيد بنائها وبنيانها حصل أيضاً - كما تشهد به بعض المعطيات الروائية - على صعيد الأمن فيها والأمان ، فقد كانت الكعبة مكان آمناً في البداية ، ثمّ فقدت أمنها تدريجياً ، ليعود لها مرّةً أخرى مع النبي إبراهيم عليه السلام .
وهنا ، يجدر الاهتمام بأنّ دعاء النبي إبراهيم عليه السلام قد حقّق لأرض مكّة أمنها وأمانها ، لا للكعبة وحدها ، وإلّا فأمن الكعبة لم يتحقق بطلب إبراهيم عليه السلام وإنّما صار أن جعلها اللّٰه منذ البداية مثابةً ومطافاً ، وقبلةً ، وأمناً .