11وأمن الحرم على قسمين: تشريعي ، وتكويني ، وسوف يتكفّل ببيان هذين النوعين من الأمن المبحثان التاليان .
1 - الأمن التكويني
وفقاً لظواهر الأمور ، يفترض بأرض مكة أن تكون أرضاً غير آمنة ، ذلك أن طبع أبناء الحجاز من جهة كان على الاعتداء والغارة ، كما أنّهم - من جهة أخرى - ما كانوا ينعمون بالعلم ، والثقافة ، والزراعة ، وتربية المواشي ، والصناعة و . . بل إن الشعب الفاقد للثقافة والجائع في الوقت عينه من الطبيعي أن يكون عدوانياً يعيش على الهجمات والغارات .
إلا أنّه ، رغم ذلك كلّه ، قال تعالى: «أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبىٰ إِلَيْهِ ثَمَرٰاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّٰا» 1وقال: «وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً» 2.
وطبقاً للمبدأ عينه ، عاشت قريش النعمة والأمن من الجوع والخوف ، قال سبحانه: «أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» 3.
ويحدّثنا اللّٰه تعالى عن الأمن التكويني للحرم فيقول: «وَ قٰالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنٰا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً» 4. كما أنّ اللّٰه تعالى يحدّثنا عن مكّة كيف كان خطف الناس رائجاً في أطرافها ، لكنّ اللّٰه جعل أرضها حرماً آمناً ، لا لأنّ سكّان الحرم الإلهي ومدينة مكة قد غدوا أناساً صالحين ، بل لأنّ الناس تفهم حرمة الحرم وتقوم بحقه ، قال تعالى: «أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا جَعَلْنٰا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّٰاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ » 5، وحيث كان الخطف أمراً تكوينياً فإن الأمن الذي