291المناسك أشبه ما تكون بمؤسسة ثقافية . . . وأن هذه المؤسسة انبثق منها مفهوم ومصداق للمسجد [وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى ] 1 وأن النية كانت غير منقطعة شعورياً عن عمل الخليل عليه السلام ، ويمكن بضوء هذا اعتبار النيّة في بناء القواعد والمقام غير منحازة إلى مقطع زماني معين ، ولذا فالنية لم تكن جزءاً فحسب في البناء . . . إنما لعظمتها استبدلت بالأمر الإلهي «إن ربك قد أمرني . .» وعليه ، فإن بداية أعمال النيّة كانت نصاً قرآنياً ، ولكون الحجاج أفراداً وجماعات لم يكونوا بمقام إبراهيم لذا أُريد منهم أن يجددوا النيّة توخياً للتركيز والوعي والصفاء ، فكانت تتكرر بعد كل مشهد وبفاصل زمني . ومنها يفهم إجمالياً أنّها - النية - تنشأ الأعمال . . وكالنسخ الذي يقوم بربط وتوليف «مونتاج» اللقطات ودمجها في مشهد كبير فعّال يتناسب مع زخم البناء القواعدي الذي أحدث فصلاً مهماً في الاجتماع الإنساني قديماً وحديثاً .
الضوء الخامس : الكعبة والتأسيس الاجتماعي
الرواية السابقة التي ينقلها ابن عباس رضى الله عنه ، تتضمن الآية : [رَبَّنٰا تَقَبَّلْ مِنّٰا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ] ، والتي تحاكىٰ بها كلُّ من الخليل وابنه ، كأول بنائين تاريخيين للبيت ، و وردت حالة القول بالآية أثناء العمل ، بمعنىٰ أن النية كانت سارية ومنذ الخطوة الأولى وحتى النهاية ، النهاية التي تعبر عنها العبارة الأخيرة في النص : «أن يؤذن فيالناس بالحج» .
ما نستفيده أن النية كائن داخل إطار العمل الواحد وإنجازه وأنها تتجدد وأن لها في كلِّ آنٍ آن . ولعل بعض الكتاب والأدباء يحلو لهم أن يصوروا الصيغة ب «الميثولوجيا» حين عزَّ عليهم استكناه الواقعية الرفيعة التي امتاز بها عصر الخليل عليه السلام ، فاتجهوا إلى اعتبار إبراهيم وولده ليس إلّا أسطورة جاء بها القرآن