292للحكاية . . .لا وجود لهم البتة 1 ، ويوثّق الميثولوجي فكرته عند ملاحظة الكعبة على ضوء قيمة الخصوبة في البيئة الحجازية العربية آنذاك ، وما تنطوي عليه من قسوة وغلظة وبداوة وصحراء وفوضوية وقحط وغزو ووحشة وغيرها ، وكيف تتسق قواعد البيت - المقدس - وسط [بِوٰادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ] ، ثم يلاحق الميثولوجي تفاصيل حكايته فيؤكد الطابع الأسطوري عبر تساؤلات متعمدة ، إذ كيف تحول البيت إلى قبلة وإلى قوة جاذبة للثمرات والرزق والأمن والسلام والزيارة والتجارة والأشعار والأصنام والأوثان ، وتحتشد الصورة أمام الفنان غير الملتزم فيقرر حقيقة عدم وجود إبراهيم وولده وجوداً واقعياً تاريخياً عدا كونها ميثولوجيا وأسطورة : «إن هجرة إبراهيم وإسماعيل إلى الجزيرة العربية حيلة اختلقتها قريش وصدقها القرآن ليحتال على اليهود» 2 .
والواقع الذي يؤكده القرآن وتؤيده قضايا التاريخ والعلم هو عكس ذلك ، بناء الكعبة والقواعد وعصر نبوة إبراهيم عليه السلام كانا معاً يشكلان فاصلاً حاسماً بين مرحلتين كبريتين : مرحلة ما قبل التنظيم الاجتماعي ومرحلة التأسيس الاجتماعي المنظّم وما بعدها . وباستقراء تاريخيٍّ بسيط فإنّ النية فى بناء القواعد لها بعد كبير تمظهر فيما بعد حتى اتصل بكل من يقف على نهاية كل فجٍّ عميق . . ويفهم أن بناء القواعد ودعوة الناس للحج كانا يؤسسان للقانون والتقنين ، وبهما نعي ، أن النية تكمن عادة كمؤثر دينامي هائل وراء الانقلابات الاجتماعية والتاريخية الكبرى ؛ الأمر الذي يقرّب لنا الفكرة القائلة : «إن التاريخ منتمٍ في الدين» ، يوصلنا هذا الاستنتاج إلى أن ظاهرة الحج الإبراهيمي الأصيلة هي نقطة تحول كبرىٰ في مسيرة الحج الأنبيائي ، اعتمدها خط الرسالات جميعاً حتى بلغت الذروة في عصر رسالة رسولنا الأكرم صلى الله عليه و آله .