156لقد كان حذيفة واسع الذكاء ، متنوّع الخبرة ، وكان يقول للمسلمين دائماً :
«ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة . . ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا . . ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه» . . .
ولايته على المدائن :
لقد ضرب حذيفة أمثلة رائعة في كل مواقفه ، وهو يصحب رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ويلازمه ويأتمر بأوامره ويتعلم منه الكثير الكثير ، وقد ترك ذلك أثره في عباداته وفي جهاده وصلحه وفي زهده وتواضعه ، وهو يتولى شؤون المسلمين وإدارتهم .
ونرى هذا واضحاً حينما ولاه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على المدائن .
وما إن وصل خبر ذلك إلى أهل المدائن ، وقد اقترن بمناقبه التي سمعوها عنه بما فيها من ورعه وصدقه وبلائه العظيم فيما خاضه من معارك ، خصوصاً في فتح العراق ، حتى خرجت أفواجهم التي يحدوها الأمل الكبير لرؤيته والشوق الأكبر لاستقباله .
و هم على حالتهم هذه ، إذ بهم يفاجئون بشيء لم يكونوا ألفوه ، من بذخ ولاة أمورهم وما عهدته بلادهم بلاد فارس من أبهة الولاة والسلاطين ، فوجئوا بشخص على حمار على ظهره أكاف قديم ، يمسك بيديه زاده ، كان رغيفاً وقليلاً من الملح ، يضمه موكب متواضع . وما أن عرفوا أنه الوالي الجديد حتى راحوا يحتشدون حوله ، ويحفون به ، وعلامات الاستغراب تلاحق وجوههم مما يرونه :
إنه أنموذج يلقي بغرابته عليهم ويزيدهم تعجباً ماعليه الرجل من تواضع وبساطة في مأكله وملبسه وموكبه ومركبه ، وظلوا يشخصون بأبصارهم إليه ، فحانت منه نظرة إليهم ، وعرف أنهم يتمنون أن يسمعوا منه شيئاً ، إنه إنذار لهم وتحذير :
«إياكم ومواقف الفتن!
وما مواقف الفتن يا أبا عبداللّٰه؟!