47
اليمنى السفلى، وشج رأسه - صلوات اللّٰه وسلامه عليه - ثمّ راح أبو عامر، وقد تقدّم في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار، يخاطبهم ويستميلهم إلى نصره وموافقته، فلما عرفوا كلامه، قالوا: لا أنعم اللّٰه بك عيناً يا فاسق يا عدو اللّٰه! ونالوا منه وسبوه، فرجع وهو يقول: واللّٰه لقد أصاب قومي بعدي شر!
وكان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قد دعاه إلى اللّٰه قبل فراره، وقرأ عليه القرآن، فأبى أن يسلم وتمرّد، فدعا عليه رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله أن يموت بعيداً طريداً، فنالته هذه الدعوة، وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد، ورأى أمر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله في ارتفاع وظهور، ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبيّ صلى الله عليه و آله فوعده ومنّاه وأقام عنده، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ويغلبه، ويرده عما هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه، ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه، وفرغوا منه قبل خروج رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم، فيحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنّهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية! فعصمه اللّٰه من الصلاة فيه، فقال صلى الله عليه و آله: «أنا على سفر، ولكن إذا رجعنا، إن شاء اللّٰه»
.
فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك، ولم يبقَ بينه وبينها إلّايوم أو بعض يوم، بذي أوان، وهو بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار، نزل جبريل بخبر مسجد الضرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم - مسجد قباء - الذي أسس من أول يوم على التقوى، فبعث رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلى ذلك المسجد من هَدَمَه قبل مقدمه المدينة.
أما أبو عامر فكان مصيره أن مات قبل أن يبلغ ملك الروم الذي خرج إليه بعد أن انهزمت هوازن في معركة حنين حيث ظلّ أبو عامر يُقاتل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلى