46
الديانة حتى يقع الأنس بالمخالطة، وتصفو القلوب من وضر الأحقاد 1.
إذن، فالمنافقون يحاولون النيل من الجماعة المسلمة من داخلها وبالوسائل نفسها التي تمتلكها هذه الجماعة، والتي منها المسجد وماله من دور خطير ومهم في حياتها الإيمانية.
الصفة الرابعة:
«وإرصاداً لمن حارب اللّٰه ورسوله»
إن المفسّرين اتفقوا على أنّ المراد بهذا المقطع من الآيات هو رجل من قبيلة الخزرج، يُقال له أبو عامر الراهب، والد حنظلة الذي غسلته الملائكة، كما ورد ذلك عن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فيه بعد أن استشهد في معركة أحد حيث قال صلى الله عليه و آله: إنّ صاحبكم، يعني حنظلة لتُغسّله الملائكة، فسألوا أهله ما شأنه؟
فسئلت صاحبته عنه، فقالت: خرج وهو جُنب حين سمع الهاتفة أي الصيحة، وقد قتله شدّاد بن الأسود وهو ابن شعوب بعد أن رآه قد علا أبا سفيان، فضربه شداد فقتله 2، فشتان شتان بين هذا العبد الصالح، وأبيه الراهب، الذي
تنصر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب، ولبس المسوح، وكان له شرف في قبيلته الخزرج كبير، فلما قدم النبي صلى الله عليه و آله المدينة حسده وحزّب عليه الأحزاب، فسمّاه النبي صلى الله عليه و آله الفاسق، وظهرت نواياه الخبيثة هذه ضد رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله خصوصاً بعد أن صارت للإسلام كلمة عالية، وأظهر اللّٰه المسلمين في معركة بدر، فشرِق هذا اللعين بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها ثمّ خرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش يمالئهم على حرب رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا عام أحد فكان من أمر المسلمين ما كان، وامتحنهم اللّٰه عزّ وجلّ، وكانت العاقبة للمتقين، وكان لعامر هذا دور قذر فقد حفر حفائر بين الصفين، فوقع في إحداهن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، وأصيب في ذلك اليوم، فجرح وجهه، وكسرت رباعيته