226
المبحث الخامس: الاحتماء بمكة:
عُرفت بلاد مكة بحرمتها، وشرفها، وقدسيتها، وليس أدل على ذلك: من تشريف اللّٰه لها، بوصفها بالبلد الأمين، والقَسَم بها، في قوله تعالى:
«وَ هٰذَا الْبَلَدِ اْلأَمِينِ» 1
، والراحة النفسية، والأمان، يشعر بهما كل من دخل مكة، منذ أن
خلق اللّٰه الخلق وإلى الأبد، ومن هنا صارت ملاذ الخائف، والمظلوم، وذي الحاجة، ومن شابههم، حيث لجأوا إليها محتمين بها، معترفين بفضلها.
فممن احتموا بمكة والكعبة: رجل من بني عبداللّٰه بن دارم، كان زوجاً لابنة زرارة بن عُدُس، اسمه سويد، وكان طلبة المنذر بن ماء السماء، لأنه قتل ابنه مالكاً، ومالك هذا غلام حدث كان المنذر قد أودعه عند زرارة، ثم إن الغلام خرج يوماً يتصيد فلم يُصِب شيئاً، فمرَّ بإبل لسويد، فأمر بناقة فنُحِرت له، فاشتوى، وكان سويد نائماً، فلما استيقظ شدَّ على الغلام فقتله، وخرج هارباً، فاحتمى بمكة، وحالف بني نوفل بن عبد مناف، وأقام عندهم، وقد طلبه المنذر لثأر ابنه، فقيل له:
إنه احتمى بمكة، فصرف النظر عن اللحاق به، وثأر من بنيه، وكانوا سبعة ووفَّى ثأره بقتل مائة رجل من قوم سويد 2.